شهدت الندوات الثقافية التي أقيمت مؤخراً ضمن النشاط الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة تفاعلاً ملحوظا، وحمي النقاش في ندوة (المواطنة والانتماء في الدولة الحديثة)، التي سعدتُ حقاً بالمشاركة فيها، خصوصاً أن المنصة ضمت معي أخاً فاضلاً، وثلاث أخوات فضليات، إحداهن مديرة اللقاء. لقد تجلت سخونة الندوة فيما طرح خلالها من أوراق عمل، وفيما قدم من مداخلات وتعقيبات ثرية أفادت أننا مازلنا ومنذ سنوات غير قصيرة نناقش مفهوم المواطنة، والوطنية، والانتماء؛ وهل يعود ذلك للحدود الجغرافية أم للمرجعية الدينية أو للمرجعية المذهبية؟. بعضنا طالب ويطالب بجعل الوطن مرجعيةً أولى، وبعضنا يذهب بعيداً في مطالبته؛ ويطالب باعتبار الوطن هو الأمة الإسلامية. ولكي نصل إلى معرفة المقصود بـ (المواطنة) لا بد من التطرق لمعرفة المقصود بـ (الوطنية)، وهل هناك فرق بينهما؟. (الموسوعة العربية العالمية الوطنية) تعرِّف المواطنة بأنها تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد، والفخر بالتاريخ، والتفاني في خدمة الوطن. وتعرِّف مفهوم الوطنية بأنه اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن. ومن مراجعة التعريفات، ومن كلام المتخصصين يتبين أن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة، أو أنها أعلى درجات المواطنة؛ فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالقول والفعل لصالح الجماعة أو الدولة. فالوطنية هي الجانب الفعلي أو الحقيقي للمواطنة، وهي محصلة للمواطنة؛ فلا وطنية جيدة، بدون مواطنة جيدة.

ولتوصيف المشهد الراهن للمواطنة، لن أزيد على القول بأن هناك اختلافات متعددة، وتأويلات متنوعة، والجميل أنه مع هذا وذاك نرى بحمد الله ـ سبحانه تعالى ـ أن الجميع متفق على إعلاء شأن الوطن والمواطنة، وأن الكل متفق أيضاً على أن الوطنية تعني قبول أبناء الوطن على مختلف اتجاهاتهم وأعراقهم ومذاهبهم، وعلى أن الوطنية ضد ثقافة الإلغاء أو الإقصاء. وهذا يؤكد أننا في حاجة ماسة إلى التعامل مع مفردة (المواطنة) باعتبار أنها طريق صلاح الجميع، وفي حاجة إلى الانتباه إلى أن الإحساس بالهوية نتاج طبيعي للمواطنة الصادقة، وفي حاجة قبل هذا وبعده إلى اتكاءة أقل على موضوع (الخصوصية)؛ لأن من المستحيل تصور إمكانية التطابق في مختلف قضايا الفقه أو الفكر، ولأن من الممكن استيعاب التيارات والأفكار المختلفة. بل إن الاستيعاب هو الضمانة المهمة لتحقيق التآلف المطلوب بين أبناء الوطن الواحد؛ هذا الاستيعاب لا أعني به عدم وضع الخلاف في موضعه؛ فالمخطئ نقول له أخطأت (وندله) على سبب خطئه، والمصيب نقول له أصبت (بعد) أن نقف على دليل قوله وحجته فيه. والناس جميعهم لا بد لهم من أن يرتفعوا فوق خلافاتهم، فيعلون عليها، ولا تعلو هي عليهم. وهذا بلا شك يحتاج إلى جهد جبار، بل وشاق، ولكنه أمر ضروري، بل وحتمي. مما أفدته من الندوة أن تجربة تدريس مادة التربية الوطنية كمادة مستقلة لم تكن ناجحة، ولم تحقق الأهداف المتوخاة منها، وأنها لا تدرس إلا للطلاب دون الطالبات، ولعل التعجيل بدمجها في مواد أخرى في كل المراحل يكون حلاً، ولعل التفكير في إلغائها يكون صوابا. وأخيراً يقول المفسرون عن قول الله تعالى في سورة طه، على لسان نبيه سيدنا موسى ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ـ :(يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) كلاماً نفيساً ملخصه أن سيدنا هارون ـ عليه السلام ـ رأى أن وحدة الأمة مع اختلاف آرائها خيرُ من الفرقة.

أمنية وطنية:

مجموعة من الطالبات الموهوبات بمدينة جدة حققن في المنطقة الشرقية قبل أسابيع جائزة أفضل مشروع على مستوى المملكة، في مسابقة علمية عالمية تهتم بتفعيل وتصميم وبرمجة الروبوت من خلال استراتيجية حل المشكلات بطرق إبداعية؛ أشرف عليها مركز المواهب الوطنية للتدريب. موضوع تحدي هذا العام كان عن الهندسة الطبية الحيوية، وآخر ما توصل إليه العلم في المجال الطبي. موهوباتنا أوجدن حلاً لمشكلة حيوية هامة تواجه مريض (الزهايمر)؛ عبارة عن (نظارة) تعمل على تحسين حياة مرضى الزهايمر من خلال مساعدتهم على التعرف على الأشخاص المقربين منهم، وهن في طريقهن لرفع طلب تسجيل براءة اختراع عن طريق مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة". الموهوبات رشحن رسمياً للمشاركة في المهرجان العالمي للفيرست ليغو الذي سيقام خلال بضعة أيام في الولايات المتحدة الأمريكية، حظهن العاثر قد يمنعهن من هذا الشرف إلا إن عممت وزارة التربية والتعليم مساعدتها لموهوبات بلادي من أي جهة تتمتع بتصريح رسمي، أو إن تبرعت لهن إحدى الشركات الأهلية، أو البنوك المحلية، أو أحد أصحاب الأعمال.