ما زلنا نستورد أخبار تفوق مواطنينا من الصحف ووسائل الإعلام الدولية. فبعد خبر إنجاز غادة المطيري، ثم صالح الزيد، يأتي اليوم خبر تكريم الباحثة، هبة الدوسري.

نشرت العديد من وسائل الإعلام في المملكة المتحدة طوال الأيام الماضية باهتمام نبأ فوز الباحثة، هبة الدوسري، التي تدرس الدكتوراه في جامعة استراثكلايد بجلاسكو في اسكوتلندا، بجائزة المجلس الثقافي البريطاني إثر إنجازاتها البحثية ونبوغها خلال دراستها دون أن نجد إشارة ولو طفيفة لهذا الفوز في صحفنا أو قنواتنا العامة أو الخاصة.

فازت هبة بجائزة مادية ومعنوية مجزية من مؤسسة بريطانية نظير ما قدمته خلال مسيرتها البحثية في محاولة إيجاد علاج للسرطان من خلال صيغة متطورة باستخدام تقنية النانو تهدف لعلاج الخلايا السرطانية بصورة انتقائية دون المساس بالخلايا السليمة. تفوقت هبة على أكثر من 1200 طالب أجنبي، من 118 دولة، في المؤتمر التاسع للطلاب الأجانب في المملكة المتحدة. وقد وصف الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني، مارتن ديفيدسون، الرسالة التي تضمنت إنجازات هبة بـ : "المؤثرة والملهمة". وعلقت مشرفتها في جامعة استراثكلايد، كريستين دوفيس، بزهو على إنجاز طالبتها هبة قائلة: "إنه ليس إنجازها الوحيد. لقد فازت في مناسبات عديدة خلال دراستها للدكتوراه".

هبة، المحاضرة في كلية الصيدلة بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، والأم لثلاثة أطفال، تحقق الانتصارات العلمية الواحد تلو الآخر دون أن نجد لها خبرا كبيرا أو صغيرا في صحفنا. لو كانت هبة لاعب كرة قدم أو حتى إداريا كرويا لوجدنا من يتابعها ويبعث لمتابعة أخبارها وفدا ولو إلى الشرق الأقصى أو سهول أوروبا.

أتذكر أن لاعبا محليا، أجرى عملية طفيفة، في ركبته لاحقته قنواتنا الفضائية إلى باريس. أجرت معه حوارات تلفزيونية في عيادة الطبيب الذي أجرى له العملية، وفي بهو الفندق الفاخر الذي يقيم فيه، وقتئذ. في المقابل لم تجد هبة عدسة واحدة تلتقط صورة لها وهي تكرم في مؤتمر دولي في 13 أبريل الجاري. لم تجد صحفيا أو حتى ربع صحفي يقوم بكتابة خبر عن تكريمها.

إنني أتساءل أين وزارة التعليم العالي؟ أين فريق العلاقات العامة عن تفوقها. أين جامعة الملك عبدالعزيز عن مبتعثتهم المتفوقة؟ ما دور إدارات العلاقات العامة في مؤسساتنا التعليمية إذا لم ترصد إنجازات أبنائها؟ هل دورها يقتصرعلى النفي وتجديد اشتراكات الصحف؟

أحزن عندما أتصفح موقع جامعة استراثكلايد وأرى اهتمامها البالغ بهبة في حين لا أرى شيئا عنها في موقع جامعتها الأم سوى معلومات عامة تشير إلى ارتباطها بكلية الصيدلة.

إن العلماء الذي نالوا نوبل وغيرها من الجوائز المرموقة، حصلوا عليها بفضل الرعاية التي وجدوها من جامعاتهم ومراكز أبحاثهم مما ساعدهم على تجاوز العديد من العقبات التي واجهتهم خلال عملهم الدؤوب للوصول إلى نتائج تخدم البشرية. نتساءل دوما: لماذا لم يحصل أي من باحثينا على نوبل بعد؟ ونغفل تجاهلنا لهم، الذي جعلهم ييأسون ويقنطون ولا يفوزون.

ليست هناك مؤامرة علينا. نحن من نتآمر على أنفسنا. بابتعادنا عن دعم أبنائنا سواء كان معنويا أو ماديا. وهبة أكبر مثال على ذلك. فمن يعرفها في وطننا غير أسرتها وزميلاتها؟ لا أحد.

إن هبة للأسف ليست نجمة بمقاييسنا. مقاييسنا التي نفصلها على اللاعبين والممثلين والممثلات وأنصاف الموهوبين فقط دون غيرهم.

ثمة ألم يجتاحني عندما أرى ممثلة متواضعة تحظى بقدر عارم من اهتمامنا مقابل تجاهل تام لباحثين نذروا حياتهم وصرفوا جل وقتهم في مختبراتهم.

أسلوبنا العقيم الذي نتعامل به مع باحثينا الجادين يكرس تقهقرنا في المجال العلمي. المباني لا تصنع إنجازات. الإنسان من يصنعها.

هبة، لا تحتاج إلى أسطول من المقالات تمجد إنجازاتها. إنها تحتاج إلى دعم أكبر من جامعتها وكليتها ومجتمعها لتحرز انتصارا جديدا يرفع اسم وطننا عاليا في المحافل الدولية. المحافل الدولية التي أعنيها ليست ملاعب كرة القدم التي اختطفت اهتمامنا وشغلتنا. أقصد المحافل الدولية التي تزخر بالعلماء والباحثين الذين كرسوا حياتهم لخدمة العلم والعالم. ليست هبة وحدها من يحتاج هذه الرعاية. آلاف من الباحثين الواعدين في وطننا بحاجة لذلك.

دول أقل منا إمكانات وحجما وتأثيرا نجحت في التواجد في القائمة الذهبية لهذه الجائزة العظيمة، في حين فشلنا من الاقتراب منها. كل نتيجة عظيمة تتطلب تخطيطا عظيما وجهدا عظيما في سبيلها.

نحن ننفق الملايين ونقيم أضخم المعسكرات ونغدق على اللاعبين الصغير منهم والكبير في سبيل التأهل لكأس العالم. لكن أليس من الأجدر أن تكون لدينا كذلك برامج وميزانية خاصة للفوز بنوبل وشقيقاتها من الجوائز العالمية. حتى لو لم ننل نوبل، سنكسب باحثين وأبحاثا. الخسارة ليست في عدم الفوز، بل في عدم التخطيط من أجله.

يزعجني أن أرى لاعبا دون إنجازات يملك قصرا وشاليه وسيارة رياضية بينما بعض باحثينا المتميزين يقطنون شققا بالإيجار وحياة آيلة للانهيار.

الباحث أمام خيارين: إما أن ترعاه وتؤمّن له حياة كريمة لينكب على أبحاثه ويخلص لها، أو يترك أبحاثه ويبحث عن حياة كريمة بعيدا عن مختبره. في وطننا اختار الكثير من الباحثين الخيار الثاني. فكلنا سنعيش حياة واحدة. ولا نرغب في إهدارها جوعا وفقرا وحسرة.

أثق أن هذه الحسرة لن تدوم. وأن هبة ستتوصل إلى فتح طبي ملهم. لكن ذلك لن يتم إلا إذا التفتنا لها وزملائها ولو قليلا.

باحثونا (هبة) من الله. فهل هكذا نتعامل مع هداياه؟