تحدثت في المقال السابق عن أهمية وجود هيئة مستقلة لدعم تنمية وتطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة. فالدعم الحكومي يعد اللبنة الأساس للنهوض بهذا القطاع المهم والحيوي من الاقتصاد، من أجل حل مشكلة البطالة المؤرقة. أهم المشاكل التي تعيق تطور هذا القطاع هي مشكلة التمويل. فعلى الرغم من توافر السيولة، بل وارتفاعها المستمر مع الوقت، بشكل عام في الاقتصاد السعودي، إلا أن المشكلة تكمن في عدم توافر قنوات قائمة لتوجيه هذه السيولة نحو قطاع المشاريع المتوسطة والصغيرة. فعند توجه أصحاب هذه المشاريع الجديدة إلى قنوات التمويل التقليدية، وهي المصارف التجارية، فإنه عادة ما يواجه بالرفض. فالمصارف التجارية في حرصها على الابتعاد عن المخاطر، ترفض تمويل عمليات المنشآت الجديدة التي يقل عمرها التشغيلي عن ثلاث سنوات، وهو ما يحد من قدرتها أن تعمل كقناة تمويلية لمثل هذه المشاريع.
أما فيما يخص الصناديق الحكومية، فإن قوائم طلباتها تطول بشكل متحيز ضد المنشآت المتوسطة والصغيرة. وذلك بسبب عدم ملاءمة نموذج عمل هذه الصناديق لطبيعة المشاريع الناشئة. فالصناديق تقوم بتمويل عمليات متخصصة وتدرس المشاريع في مجمل الصورة العامة للاقتصاد بهدف تنويع مصادر الدخل والتكامل الاقتصادي. أما المشاريع المتوسطة والصغيرة فإنها تفتقر بالأساس إلى الخبرة والموارد ، حيث إنها تعتمد بالأساس على الفكرة المبتكرة. وفي حين توجه صاحب المشروع إلى سوق المال، ففرص نجاحه في توفير التمويل اللازم لمشروعه ضئيلة جدا. فكل عمليات الطرح الأولي التي في السنوات الأخيرة كانت من نصيب شركات قائمة تبيع حصة من أسهمها، أو مشاريع عملاقة تحت الإنشاء. فاستخدام أسواق المال لتمويل الجديد أو توسيع المشاريع القائمة ليس بالأمر الوارد على الرغم من كونه الغرض الأهم من إنشاء أسواق المال.
في نهاية المطاف نجد أن البيئة الاقتصادية الحالية غير قادرة على دعم تطوير المشاريع المتوسطة والصغيرة، كونها مصممة لخدمة الشركات الكبيرة القائمة. ولذلك فمن الضروري وضع خريطة طريق لتثبيت أركان بيئة متكاملة لتمويل هذا النوع من المشاريع. بداية هذه الطريق تكون بتأسيس صناديق حكومية للتمويل هذه المشاريع، سواء بشكل مباشر أو عن طريق ضمان القروض. ومن ثم التحول بعد ذلك إلى مصارف مشاركة متخصصة في المنشآت المتوسطة والصغيرة. يقوم بتمويل هذه المصارف صناديق البنوك الاستثمارية، والتي ستجتذب الأموال من المساهمين لاستثمارها في عقود مرابحة ومضاربة تمول احتياجات المشاريع الناشئة. وأخيرا يتم فتح أسواق المال أمام صاحب أي فكرة يتم اعتمادها عن طريق أي من المكاتب الاقتصادية الاستشارية. الهيئة الحكومية المختصة بالمشاريع الصغيرة ستكون الراعي لخلق البيئة اللازمة لتطوير هذه الأعمال بكافة جوانبها المالية والقانونية واللوجستية.