بعد عودة خادم الحرمين الشريفين من رحلته العلاجية، أصدر حفظه الله العديد من الأوامر الملكية الكريمة التي تصب جميعها في صالح المواطن، فقد شملت صرف راتبين للموظفين المدنيين، والعسكريين، والمتقاعدين، وطلاب التعليم العالي، والمبتعثين، كما شملت هذه الأوامر جوانب مختلفة، وتهدف هذه الأوامر إلى تمكين المواطن من أن يعيش عيشة كريمة، وشملت إعفاء المواطنين من بعض أقساط القروض، وزيادة مبلغ القروض الخاصة بالعقار، وكل ما من شأنه الاهتمام بالمواطن، وتحسين مستوى معيشته، وتعد هذه فرحة كبيرة للمواطن لما تلقاه من دعم، ورعاية حانية من مليك يحب شعبه، ويحبه الشعب. وعندما بدأ الشعب يتمتع ببعض الميزات المالية التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين، وفقه الله، وبالتحديد بعد أن تم صرف الراتبين؛ ظهر من الجانب الآخر من يعكر صفو هذه الفرحة، بل يغتالها من تجار جشعين، همهم الأول والأخيرأنفسهم، ولا يهمهم المواطن، ولا الوطن، وقاموا برفع الأسعار بشكل غير معقول في أغلب - إن لم يكن جميع - السلع الاستهلاكية دون رقيب أو حسيب.
والملاحظ أن كثيرا من السلع الاستهلاكية المختلفة تم رفع أسعارها بقصد من التجار، وبشكل مفاجئ، وكل تاجر يحدد السعر وحده، فنجد أن سعر السلعة الواحدة يختلف من تاجر لآخر، وبفروق كبيرة، ومن يدفع الثمن هو المواطن، كذلك كان هناك ارتفاع في الأسعار بشكل ملحوظ على الخضار، والفواكه المحلية، وحجة التاجر، أو الموزع، أو الجهات المسؤولة عن مراقبة الأسعار أن الارتفاع في الأسعار كان على المستوى العالمي. فهل المنتجات المحلية تتأثر بالارتفاع العالمي للأسعار؟! هذا تبرير غير مقبول، والحديث عن أسعار مواد البناء المختلفة قد يطول، وعندما سمع تجار هذه المواد بدعم القروض المخصصة للبناء، قاموا برفع الأسعار بشكل غير مقبول، وبدافع الطمع والجشع الذي يتصف به بعض التجار للأسف، وهذا قد يحد من قدرة كثير من الأفراد على تنفيذ ما يخطط له من بناء مسكن له، ولأفراد أسرته حتى مع الزيادة في مبلغ القروض العقارية، وعند الحديث عن غلاء اللحوم فقد شهدت أسعار اللحوم بجميع أنواعها ارتفاعا غير طبيعي، فقد وصل الحد إلى أن الأسعار ارتفعت بنسبة 100% عنها في السنوات القليلة الماضية لدرجة أن كثيرا من الناس أحجم عن أكل اللحوم الحمراء نظرا لارتفاع أسعارها، ولا يستطيع توفيرها في أي وقت يريده، وقد عمد بعض الأفراد إلى التخلص عن عادات إكرام الضيف من خلال ذبح الغنم في المناسبات نظرا لارتفاع أسعارها، وهذا قد يكون فيه فائدة لمن يعاني من ارتفاع نسبة الكلسترول، أو الدهون نتيجة للإسراف في السنوات الماضية في أكل اللحوم، أما في الوقت الحاضر وفي المستقبل، ومع استمرار الزيادة في أسعار اللحوم فقد يقتصر أكل اللحم على المقتدرين ماديا فقط، مع أن الدولة حفظها الله تدعم الكثير من المشاريع الزراعية، وتدعم أعلاف الحيوانات كالشعير، وغيره، ومع ذلك فالتلاعب بالأسعار من قبل التجار بحاجة لوقفة جادة من كافة الجهات المختصة بمراقبة الأسعار؛ فالأسعار في ازدياد، وبشكل مستمر، والمواطن هو الضحية.
ولقد أخذ أصحاب الشقق المفروشة أيضا نصيبهم من الراتبين اللذين أمر بهما خادم الحرمين الشريفين من خلال رفع الأسعار بنسبة قد تتجاوز 100%، واستغلال موسم الإجازات في رفع الأسعار بدرجة عالية، وبشكل غير مبرر، فالزيادة في المواسم لابد أن تكون مقننة، ومعقولة، ومع الشكر، والتقدير لما تقوم به الهيئة العامة للسياحة والآثار من جولات تفتيشية على هذه المنشآت، ومراقبة الأسعار، إلا أن هناك مخالفات لا يحس بها إلا المواطن المستأجر، وصاحب الشقق يقول "لا تعطوننا من رواتبكم، بل من الراتبين"، وكأن ذلك تبريراً لاستغلال المواطن، وبدون وجه حق، وهنا أرى أنه في ضوء توجيه خادم الحرمين الشريفين وأوامره الكريمة بالعمل على إسعاد المواطن، ومكافحة الفساد، والغش في الأسعار، ووقف جميع ما يعكر صفو عيشه، فلا بد أن تقوم وزارة التجارة وفروعها المنتشرة في كل منطقة بالأدوار المنوطة بها في مراقبة الأسعار بشكل منتظم، ومستمر، إذ إنها لم تقم بما هو متوقع منها في هذا المجال، وكأن عملها يقتصر على الجانب الإداري فقط، أما الدور الميداني فهو في سبات عميق؛ إذ لم يتم إيقاف نشاط أي مؤسسة مخالفة، أو تاجر رفع الأسعار، والتشهير به ليكون عبرة للآخرين، وعند غياب هذا الدور لوزارة التجارة تمادى التجار في رفع الأسعار، ولم يهتموا بالمواطن، وكان تركيزهم على مصالحهم الخاصة بعيدا عن المصلحة العامة، وهنا أرى أن الحاجة ملحة لتخصيص رقم مجاني في كل منطقة للإبلاغ عن المخالفات، والرفع في الأسعار، على أن يتم أخذ جميع البلاغات بنوع من الاهتمام والمتابعة من قبل الجهات المختصة.