عزيزي القارئ إن كنت تعتقد أن كل حالات الندم متشابهة، وكلها لها نفس التأثير، أو كلها تعرضك لصدمات شديدة قد لا تعود بك إلى مجرى الحياة ثانية، فلقد جانبك الصواب، فهنالك قرارات نتخذها ونندم عليها ولكن، لو أننا فكرنا بها، حقيقة فكرنا بها، نجدها لا تستحق كل هذا التفكير، بل أحيانا تافهة، مثل ماذا؟ لا أعرف عن حياتكم اليومية، ولكن من حياتي، قررت يوما أن أرتدي حذاء جديدا لمجرد أن لونه يلائم بقية الهندام، أين المشكلة؟ المشكلة أنه لسبب ما أعلن علي التمرد وأطبق على قدميّ بحيث شعرت بأن رأسي سينفجر من الألم، وخلال كل ذلك كان علي أن أقدم محاضرتي وأنا أبتسم، هنا حدث ندم على هذا الاختيار، ولكن هل سأعيش وأجتر على هكذا قرار؟ كلا، فتأثيره حدث وانتهى، وتعلمت أن العلاقة مع أطرافي يجب أن تكون قائمة على مصالح مشتركة، وإلا تواطأت مع أعضاء أخرى وكنت أنا الخاسرة.

ولكن طالما أننا نعيش فلا بد أن مرت علينا أحداث من نوعية أخرى غير التي ذكرت في مقدمة الموضوع، أحداث ندمنا خلالها على قيامنا بتصرف ما أو اتخاذ قرار ما نعتقد أنه كان بالإمكان أن يغير مسار حياتنا أو على أقل تقدير يحولها إلى نوعية مختلفة، أو ربما على نحو أفضل، ولكن الندم المبني على هذا الأساس يقوم على فكرة أنه لدينا القدرة على معرفة الغيب، وأحيانا تجد أن الكثير منا يركز أو يمجد ذاك الطريق الذي لم يُتخذ، نتخيل فقط النتائج الإيجابية ونتغاضى عن السيئة التي قد ترافق كل خيار تقريبا. لو أن كل شخص اختار مسارا آخر، هل كان سيحصل على حياة أفضل، أكثر سعادة، أقل توترا؟ على الأرجح كلا، وبما أن الندم أمر منتشر، وله نفس التأثير على المشاعر الإنسانية، تماما مثل الحب أو الخوف، أو حتى الكراهية، أردت اليوم أن أغامر وأتحدث عنه معكم، وقد أندم على هذه الخطوة فيما بعد، من يدري!

ما أثار انتباهي وجعلني أفكر في هذا الموضوع هي دراسة استطلاعية عبر الهاتف قام بها الدكتور نيل روزيز، وهو طبيب نفساني وأستاذ تسويق في كلية كليوغ للإدارة في جامعة نورث وسترن، ومايك موريسون، طالب الدراسات العليا بقسم علم النفس في جامعة إلينوي، شملت الدراسة عينة عشوائية من 370 شخصا تتراوح أعمارهم ما بين 19 سنة وحتى 103، (أدهشني حقا أن يكون بين الذين شملتهم الدراسة من هو في هذه السن، وتمنيت حقا أنني تحصلت على نسخة من الدراسة كاملة فقط لأعرف ما هو أكثر شيء ندم عليه في حياته الطويلة، وكيف تعامل مع الأمر)، المهم هنا أن الأسئلة التي وجهت كانت كالتالي: ما هو أكثر شيء ندمت عليه؟ متى حدث؟ هل كان نتيجة لفعل قمت أم لم تقم به؟ وهل هو أمر يستطيع المرء أن يصلحه؟ وأظهرت النتائج أن أكثر العينة ركزت أولا على قضايا الحب، ثم الأسرة مثل شجار مع الشريك أو تصرف قاس في سن الطفولة مع أحد الأقرباء مثل الأخ أو الأخت، ثم أتى التعليم، والقضايا المالية، والأخطاء في التربية من قبل الوالدين، وجاءت الصحة في المركز الأخير.

يقول الدكتور روزيز في حديثه لقسم الصحة في مجلة التايم، إن من يندم على طريق، أو قرار، لم يتخذ، أو فرصة يعتبرها ضائعة، ويركز أو يجتر عليها قد يلحق ذلك ضررا بالصحة العقلية، فالندم على الرغم من أنه مؤلم يمكننا إن نحن توقفنا ونظرنا إليه من زاوية مختلفة، أن يدفعنا إلى إعادة التركيز وترتيب الأولويات، وتحسين عمليات اتخاذ القرار. نعم الندم يجعلنا نعيش مشاعر سلبية ومؤلمة، ولكنه مفيد إن نحن عشنا تلك المشاعر بعمق ومن ثم تمكنا من سرعة الانتقال بحيث نجعلها دافعا لسلوكيات جديدة ومفيدة، والسؤال هنا: كيف يمكننا التغلب على مشاعر الندم، أو على الأقل نستخدمها، بشكل إيجابي في حياتنا؟

إن أول خطوة هي الانتقال إلى مسطح جديد، نعم قد يواجه المرء صعوبات في تجنب الندم وخاصة إن كان لديه آمال وأحلام ومعايير خاصة والتي قد تتعرض للتشويش أو التجميد أو حتى الإقصاء، بسبب ما حصل أو لم يحصل، ولكن من منا يعيش حياة مثالية؟! وهنا يتبين أهمية إدراك وتقبل أن الندم هو جزء من الحياة، وفي حال تم ذلك فسوف يساعدنا على تحديد خطط واستراتيجيات جديدة في حياتنا قد تجنبنا ما قد يعيدنا إلى هكذا منعطف من جديد.

بمعنى أوضح لنركز على الحاضر والمستقبل، أما الخطوة الثانية فهي أن ننهي الموضوع نهائيا، أي لا نترك طريقا للرجعة، إن كان يوجد طريقة للإصلاح نتحرك ونقوم بذلك فورا، وإن لم يكن فعلى الأقل نجعل هذه الخبرة درسا ونكمل طريقنا، وأخيرا لنجعل الندم يعمل من أجلنا لا ضدنا، أي أن يكون بمثابة جرس تنبيه لنستيقظ ونبدأ في بناء خطط المستقبل مدركين أهمية كل قرار، وألا نقلل من أو نتجاهل تأثير أي كلمة، فعل، أو ردة فعل، يجب أن نقوم أو لا نقوم بها، ولنتذكر أن لا أحد دون أخطاء، وأن الكمال لله وحده، فلنستعن ونتوكل، ولنجعل من أمسنا درسا، ومن يومنا عملا، ومن غدنا أملا.