• هناك.. في انطفاء النور، في الظلام والسواد الفجائي، تفرد المخيلة جناحيها، ربما لأن هذه اللحظة الغامضة تنتمي لعتمة الكون الكبرى، لعتمة الوجود التي بقدر ما هي مربكةٌ ومخيفة، بقدر ما هي شديدة الإغراء والجذب. تشبه المشي في غابة، دون الثقة لا بدليلٍ ولا أثر. وأنت أيها الذي فكّر بجرأة لا تدري إلى أيهما أنت تمضي؛ للنهر أم للغول. تعرف فقط أن متعة السير ورؤية ما لم يره الآخرون وحدهما يجعلانك ترمي بالخوف خلفك.. وتصرّ على التقدم أكثر، وتحقق ذاتك وإنسانيتك أكثر!.
• ما أثبته الإنسان عبر هذه الملايين من السنين أن الخيال أكثر شجاعةً وتقدماً من البصر، لا شيء نحياه اليوم لم يتخيله آخرون عاشوا قبلنا في زمنٍ ما. حتماً لقد كان هنالك من ينظر إلى الطير فيتخيل لو كان له جناحان وأنه يحلّق في السماء مثل نسرٍ أو عقاب، وفي زمنٍ آخر تجرأ أحدهم واستجاب لخياله وحاول، ثم آخر وحاول، اثنان حاولا، ثلاثة أربعة عشرات.. وأخيراً ها هي شركات الطيران تملأ العالم من أقصاه إلى أقصاه، وهاهم البشر يعبرون السحاب ويتجولون في السماء على مدار الثانية، أجل على مدار الثانية. وكل هذا بدأ من شخصٍ ما أغمض عينيه، وتجرأ.. وتخيّل، وأخيراً جاء من تمكن من أن يفلق من لحظة الظلام الصغيرة تلك، نوراً يضيء حياة الإنسان!.
• الرسام العالمي التركي "أشرف أرماجان" كانت مغامرته مع الظلام أكثر غموضاً وتعقيداً، لأنه لا يرى، عيناه مغمضتان منذ البدء، لم ير شكل الأشياء، لكنه تعرّف عليها طويلاً حتى تخيّلها، هذا الرجل عاش في كنف الظلمة لكنّه تخيّل كيف يوقد النور منها، وقد فعل!.
http://www .youtube.com/ watch?v =8QUOy83po60
• أشرف أرماجان يقول "لا أحد يمكنه أن يقول بأني أعمى، أنا أستطيع أن أرى أكثر بأصابعي".. وهذه العبارة تنتمي لعالم الخيال لأناسٍ ليسوا عمياناً، لكنها لهذا الرجل صارت حقيقةً وواقعاً، وقد آمن بها منذ كان طفلاً، لأنه منذ طفولته والبيوت والأشجار والشوارع والأنهار والغمام والوجوه التي نراها لا يراها بعينيه.. لكنه كان وما زال يراها بأصابعه، وأعمق من هذا أنه يرسمها أجمل منا، تخيّلوا!.
• كم نحن بحاجة إلى أن نتخلص ونخلّص هذا المجتمع من كل هذا الرعب من المقولات التي تقضي على كينونة الإنسان فيه، والتي يحاط بها كلما أقدم على الخيال فضلاً عن أن يقدم على التفكير والإبداع. على الأقل ليتنا لا نقف بوجه مخيّلات هذا الجيل. لنعلم صغارنا الحلم!.