كل عام وأنتم طيبون؛ مجدداً لدينا انتخابات للمجالس البلدية، وكل ما أتمناه أن تكون أخطاء التجربة الأولى قد أفادتنا كي لا تتكرر نفس المشكلة : قوائم ذهبية، شيوخ وعظ وإرشاد، ومتقاعدون جاؤوا بعاهاتهم من إداراتهم السابقة وطبقوها في المجالس البلدية .. في محافظتي الصغيرة ـ كمثال ـ انتهت سنوات المجلس السابق دون أن نشعر بوجوده! ولا أدري هل المشكلة في الأشخاص أم في اللائحة؟ أم في وجود مدير البلدية رقيباً على الأعضاء بدلاً من حدوث العكس المهم أن كل ما نتذكره أن الجماعة عقدوا لقاء وحيداً مع المواطنين وكان في الساعة التاسعة (صباحاً)، وذلك بعكس كل اللقاءات في المجالس المماثلة على مستوى البلد. ربما كان هروباً، وربما تكتيكاً ذكياً من أحد الأعضاء، لا فرق؛ المهم أن جل الناخبين كانوا ـ غالباً ـ من أفراد قبيلة المنتخب، حتى إن واحداً من المرشحين أخذ جماعته في ناقلة (دينا) كما يقول العارفون، وذهب بهم إلى مركز الانتخاب لينتخبوه، وقد فاز الرجل بالفعل، وربما كانت هذه من أكبر أخطاء الناخبين في التجربة السابقة، وبودي أن أسألهم اليوم: هل استفدتم شيئاً ممن رشحتموهم؟ وهل شعرتم أن ثقتكم كانت في محلها؟ صدقوني أن هذا السؤال مهم للغاية من أجلكم أنتم، فإذا كنتم قد استفدتم حقاً فأنتم على الطريق الصحيح، وإن كان العكس فأرجو أن تفكروا جيداً قبل تكرار التجربة مع أي مرشح جديد، بمعنى آخر: لا تنتخبوا إلا من يعدكم بأن يحقق لكم شيئاً مما تتطلعون إليه؛ فمن أجل هذا وضعت الانتخابات وشكلت المجالس البلدية، وليس من أجل أن يصل المدير الفلاني، أو ولد شيخ القبيلة، أو حتى خطيب المسجد؛ فهؤلاء قد يكونون نافعين في مجالهم، وهم بالتأكيد كذلك؛ بيد أن خدمة الناس في المجالس البلدية وما شابهها شيء آخر تماماً.. في محافظتي أيضاً وربما في غيرها كان الشعار الأبرز لكل المرشحين: خير الناس أنفعهم للناس، وهو شعار جميل جداً، لكنه لم يتحول إلى برنامج عمل حقيقي لأعضاء المجالس السابقة، بل بقي شعاراً قابلاً للتكرار، وربما يرفعه المرشحون القادمون أيضاً، ولا بد أن أسأل الناخبين هنا: هل وجدتم فعلاً أن أعضاء المجالس السابقة هم أنفع الناس لكم؟ وهل شعر المواطنون في المملكة بشكل عام أن من وصل إلى المجالس هم الأفضل من بين المرشحين؟ أم أن الناس رشحوا الأسماء والأشكال فقط ومن يقال إن سيماهم في وجوههم؟ مرة أخرى هذه أسئلة مهمة جداً؛ إذ لا يكفي أن تكون سيما الصلاح والتقوى الظاهرة هي الحكم الرئيس في اختيار المرشح، ولا لأنه كان مديراً أو مسؤولاً ناجحاً في عمله، أو أن فلاناً زكاه لكم وكتب فيه مقدماً قصيدة مدح مدفوعة الثمن؛ بل المهم أن يكون لدى المرشح برنامج عمل حقيقي يستطيع أن ينفذ بنوده وما وعدكم به، ويتعامل معه ومعكم بشفافية وصدق وأمانة، وليس شعاراً مكتوباً فقط كما جرت العادة.. اليوم نحن على أعتاب مرحلة جديدة لا يكفي فيها أن تنتخب بنفس الطريقة السابقة، وأن تكرر نفس الأخطاء؛ إذ إن الزمن المتطور لم يعد يقبل القوائم الذهبية، والتزكيات المجانية؛ فالناس سواسية؛ بل يجب أن يكونوا سواسية، وأن يتفاضلوا بأعمالهم لا بأشكالهم ومناصبهم، وبما يقدمونه من خدمه نافعة لمجتمعاتهم. الشيء المؤلم أن هناك من لا يزال ينظر لانتخابات المجالس البلدية بنفس الطريقة السابقة، بمعنى آخر: هو سيرشح ولد شيخ القبيلة، ومديره السابق في العمل، وإمام المسجد، وهنا لن نستفيد شيئاً بل سنكرر نفس الأخطاء وهذا ما لا يتمناه عاقل. هذه ليست جردة حساب أيها السادة؛ بل تذكير فقط كي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين! وأعتقد أننا لدغنا في السابق لأن التجربة كانت جديدة ولم نتعود عليها، لكننني أتمنى أن يكون وعينا كاملاً هذه المرة، وأن نتجاوز الأشكال والأسماء الرنانة التي قد لا تفيد كثيراً؛ في واقع متغير، ومرحلة مثيرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.