أكرمني بعض المثقفين بثنائهم الأخوي على مقالة الأسبوع الفارط، الذي سلطت فيه الضوء على محنة إخوتنا بالأحواز العربية المحتلة في إيران، والسبب -برأيي- كمُن في شحّ المعلومات عن إخوتنا السنّة في الضفة الأخرى من الخليج العربي، وهو ما شجعني في البحث والتقصّي عن أحوالهم بشكل مفصّل، وتناول تلك القوميات ببعض المعلومات العامة، والمعروف أن نسبة إخوتنا السنّة هناك في إيران حسب الإحصاءات شبه الرسمية تتراوح بين 20-25 مليون مسلم، يشكلون نسبة تقدّر بـ30% من الشعب الإيراني، وهم مقسّمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان، فضلاً عن العرب في إقليم الأحواز المحتل. والسنّة يسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنّية مثل باكستان وأفغانستان، والعراق وتركمنستان، أما المسلمون السنّة من العرق الفارسي فوجودهم نادر.
رغم أن العداء والتهميش لهم من قبل السلطات الإيرانية سببه –بما يجزم به كثير من الباحثين- مذهبهم السنّي؛ إلا أن الكاتب فهمي الهويدي –المنحاز أبداً لإيران- يرى أن المشاكل التي يتعرض لها أهل السنّة في إيران مرجعها ليس المذهبية وحدها وإن كانت أكبر العوامل، فجزء منها يعود لأسباب عرقية في دولة متعددة العرقيات مثل إيران، أو لأسباب جغرافية؛ فمعظم أهل السنّة يقيمون على أطراف الدول التي تصل بينهما وبين دول سنّية هي على خلاف مع إيران مثل العراق أو أفغانستان أو باكستان.
ويضيف هويدي -في تحقيق لموقع المسلم- أن هذه الأسباب وغيرها كانت مبرراً لإثارة الشكّ تجاههم، فهم في نظر النظام الإيراني ليسوا مجرد فصيل يختلف مذهبياً معه، ولكنهم عرق مشكوك في انتمائه إلى جسد الدولة الإيرانية، وكثيراً ما يتهمون بالقيام بعمليات التهريب أو الاتصال بالجهات المعادية، وهي مبررات كافية للنظام الإيراني للتنكيل بهم، من وجهة نظرهم.
آتي اليوم للتعريف بقومية سنّية أخرى تعيش في تلك البلاد وتواجه تمييزاً عنصرياً ومذهبياً من لدن القيادة الإيرانية الحالية، وقصدت بهم إخوتنا من قومية البلوش، وسبق لي في عام 1407 هـ زيارة منطقة بلوشستان في جزئها الواقع في باكستان، وكانت مدينة (كويتا) تزخر بالكثيرين منهم، وميّزت هذا الشعب المعروف ببأسه وشدّته عن باقي الشعب الباكستاني -لذلك كان شاه إيران الهالك يصفهم في جزئهم الإيراني بأنهم بدو شرسون ومتخلفون وقام بقمعهم بشدّة- ولديهم زيّ شعبي تقليدي يميّزهم، أتذكر الرعب الذي عشته في تلك المنطقة بتلك الفترة المتوترة، وقد اتجهت لمؤسسة (الحرمين) الخيرية التي كان لها فرع هناك، وضافنا الشيخ الفاضل عقيل العقيل بكل كرم السعوديين، وسهّل مهمتنا الإنسانية هناك.
عدد سكان البلوش القاطنين في الجزء الإيراني -بحسب الباحث والمعارض السياسي عبدالرحيم أبو منتصر البلوشي- هو ثلاثة ملايين نسمة تقريباً، والاسم القديم لبلوشستان-سيما القسم الجنوبي منها إلى اليوم- يسمى مكران، وقد شدّد حرف الكاف الحكم بن عمرو التغلبي الذي كان قد افتتحها في أيام سيدنا عمر-رضي الله عنه.
وليست جبال ساحل مكران القاحلة في مظهرها الطبيعي العام إلا امتداداً للمفازة الكبرى، ومع أن بلاد مكران كانت في القرون الوسطى أوفر خصباً وأكثر أهلاً عمّا هي عليه اليوم، ومكران-بلوشستان- حسب رأي بعض المحققين هي المكان الثالث الذي استقر فيه البلوش بعد جيلان وكرمان وهي مركز القبائل البلوشية. يقول الباحث محمد سردارخان البلوشي "أطلق العرب في العصور الوسطى اسم (طوران) على صحراء بلوشستان الوسطى، وأطلقوا اسم (مكران) على جميع القسم الغربي من بلوشستان حتى ساحل الخليج العربي، وحتى منطقة بمبور، وقد سمّاها الفرس القدامى: (ماكرستان) أو (مكريا)، ويسمّيها اليونان (جدروسي) و(ميكياو). قال الأستاذ فريدي إن كلمة (مكران) مركبة من كلمتي مك وران والمعنى أرض النخيل، وجاء في معجم البلدان لياقوت الحموي أن أصل التسمية هو ( مكران بن فارك بن سام بن نوح عليه السلام) وقد كانت هذه الأرض موطناً له، وقال ياقوت إن ذلك في وقت تبلبل الألسن في بابل، والظاهر أن (مكران) هي اسم لشخص هو مكران بن فارك بن سام بن نوح عليه السلام، مثلما كان سام وحام وكرمان أسماء الأشخاص، ونقلاً عن ياقوت وعن طبقات ابن سعد أن مكران كان معاصرا (لناحور) الجد الأعلى لإبراهيم عليه السلام، معجم البلدان ج5 ص 179-181" (نقلا عن أطروحة ماجستر لعبدالرحيم أبومنتصر البلوشي ص25). ولكن كيف هي نظرة الإيرانيين لهم، للأسف يعرف المواطن الإيراني عن البلوش أنهم شعب من جهلة البدو من آكلي لحوم البشر، يتسمون بكل معاني الوحشية والتخلف، ولا همّ لهم إلا القتل والنهب وتجارة المخدرات!.. هكذا يصوّر الإعلام الإيراني البلوش، وهكذا تحكي عنهم الأفلام الإيرانية! بل أكثر من ذلك؛ تمّ تصميم حذاء في غاية القبح في إيران باسم "البلوش"!..
ويضيف رضا حسين برّ الناشط السياسي البلوشي المقيم في لندن في مقالة له بعنوان: (نصيب البلوش من المواطنة في إيران) بأن "كل ما يباع من المصنوعات الشعبية البلوشية وما يشتهر من ثقافة البلوش في البلد تعرض باسم مدينة (زابل) التي تقطنها الفرس وتعد المدينة الفارسية الشيعية الوحيدة في محافظة بلوشستان، ولهذا تسمى المحافظة بـ (السيستان)، أي أن اسم هذه المدينة التي لا تساوي عشر معشار بلوشستان جزء من اسم المحافظة كلها اعترافاً لسيادة هؤلاء القوم! والأغرب من كل ذلك؛ فإن الفرس الشيعة من هذه المدينة يسيطرون على أكثر من خمس وتسعين بالمئة من الوظائف الحكومية في المحافظة كلها!، لا لشيء إلا لأنهم من الشيعة الفرس! والأدهى والأمرّ من هذا وذاك؛ أن من تشيّع من البلوش لا يعترف به كذلك، فيظل من المغضوب عليهم ولا يجد من عطف الحكومة إلا شيئاً يسيراً جداً، علما بأنه لم يتشيّع من البلوش إلا بضعة أنفار من الأراذل هروباً من حكم الإعدام، لأن البلوشي إذا حكم عليه بالإعدام بسبب أو آخر، يرفع عنه الحكم إذا تشيع! أو طمعا في مال أو جاه أو غير ذلك".
ويصف لنا برّ الناشط السياسي، وضع البلوش في إيران بحسب دراسات علمية في التالي:
• معدل وفيات أطفال البلوش أكثر بكثير من جميع المناطق في إيران.
• معدل وفيات النساء الحوامل حين الولادة أكثر من جميع أنحاء إيران.
• عدد المستشفيات في إقليم بلوشستان أقل من جميع المناطق الإيرانية.
• الدخل المعيشي للشعب البلوشي منخفض جداً مقارنة مع بقية الشعوب الإيرانية.
• معدل الطلاب الذين يضطرون لترك الدراسة والتعليم بسبب الفقر وسوء المعيشة والضغوط في بلوشستان أكثر بكثير من أية منطقة أخرى في إيران.
• عدد الطلاب البلوش الذين يتم تسجيلهم في الجامعات الإيرانية أقل من أي منطقة أخرى في البلاد.
• الطلبة البلوش الذين تبلغ نسبة درجاتهم 19 من 20 لا يقبلون في الجامعات الإيرانية.
• يدرس في إيران ثلاثة ملايين ومئتا ألف طالب، ونصيب البلوش من هذا العدد حسب نسبتهم السكانية يجب أن يكون سبعين ألف طالب، بينما عدد الطلبة البلوش في جميع الجامعات الإيرانية لا يبلغ ألفي طالب! أي ثمانية وستين ألفا من حقهم في المقاعد الدراسية يعطى لغيرهم. وسطّر في مقالته جملة كبيرة من المظالم التي يشتكي منها البلوش في إيران.
الظروف مواتية لاستثمار ما يحصل في إيران من غليان، وعلى الخليجيين اهتبال الفرصة السانحة، وكل العوامل، المذهبية والسياسية تلح على دعم إخوتنا السنّة هناك، وأختم مقالتي بسرد ما قاله لي الناشط السياسي أبو منتصر البلوشي -في اتصال هاتفي معه قبل يومين- عمّا يجب على الخليجيين أن يقوموا به لدعم أهل السنة في إيران، حيث قال: "الدعم الأهمّ والأول يتمثل في إنشاء محطات إعلامية فضائية باللغة الفارسية، توجّه إلى إيران، فوالله إنها لتفعل فعل السحر في تلك البلاد، التي ستحفظ من جهة إخوتنا من القوميات العربية السنية من الذوبان في القالب الصفوي الفارسي، ومن جهة أخرى سيتسنّن كثيرون من عقلاء الشيعة عندما تتبيّن لهم الحقائق، وتدحض الشبهات والمقولات الباطلة التي يغذيها الإعلام الإيراني ويشوّه بها أهل السنة ومذهبهم، وكذلك الساسة العرب. إن التركيز على البعد الإعلامي له فعل السحر في تلك المنطقة، والخليجيون إن لم يدعمونا الآن وفي هذه الفرصة الذهبية؛ سيندمون كثيراً عندما تهتز كراسيهم مع أصوات الشيعة في بلادهم بكل دعم إيران المالي واللوجستي لهم، افعلوا لنا مثلما تفعل إيران مع الشيعة في الخليج، وسترون ثمرة ذلك قريباً".