أطلقت آشلي كوالس (21 عاما) موقعا على الإنترنت قبل أن تكمل 14 عاما بعنوان (وات إيفر لايف). توفر من خلاله قوالب للصفحات الشخصية في موقع (ماي سبيس) الاجتماعي، ودروسا في التصميم. حقق الموقع نجاحا مذهلا لتركيزها على تصاميم تناسب مزاج أترابها. نجاح موقعها الكبير دفعها لتوظيف أمها وصديقاتها لمساعدتها على تلبية الطلبات الغفيرة التي تتلقاها يوميا. المردود المالي الكبير الذي حصدته مكنها من امتلاك منزل في سن مبكرة تبلغ قيمته 250 ألف دولار أمريكي في ساوث جيت في ولاية ميتشجان الأمريكية. ويحظى موقعها الإلكتروني حاليا بشعبية جارفة تفوق أهم المجلات الموجهة للمراهقات مثل: (سفنتين، وتين فوج، وكوسمو جيرل) مجتمعة.

ويتجاوز دخل آشلي الشهري من موقعها نحو 90 ألف دولار أمريكي، سواء عبر إعلانات جوجل أدسنس أو الشركات التجارية التي تتسابق للإعلان في موقعها.

وبدأت آشلي هذا المشروع المثير بعد أن خسرت لعبة إلكترونية وسئمت من ألعاب الفيديو، فقررت إنشاء موقع إلكتروني يجمع شتات القوالب التي صممتها لماي سبيس. وفوجئت بعد أيام بسيطة من خروجه إلى الفضاء السايبري بنجاحه الهائل الذي حولها من فتاة صغيرة تمنحها أمها 30 دولارا أسبوعيا، إلى رائدة أعمال تمنح أمها أجرا يتجاوز 10 آلاف دولار شهريا.

وقد رفضت آشلي بيع موقعها بعد عرض تجاوز مليون ونصف دولار، متذرعة بأن العرض لا يتناسب وقيمة الموقع وإقبال الزوار عليه.

كما استطاع هاريسون جيفرتز (16 عاما) الذي لا يملك رخصة قيادة سيارة بعد أن يحقق هو الآخر نجاحا فائقا عبر مدونة تعنى بتقنيات التسويق والإعلان الإلكتروني باسم (سي بي أي شير). تدويناته المميزة دفعت مراكز التدريب ومدارس وكليات عديدة حول العالم لاستضافته محاضرا ومتحدثا رئيسا في العديد من اللقاءات المتخصصة. اليوم صار جيفرتز من أهم رواد الأعمال الشباب المتخصصين في التسويق والإعلان الإلكتروني بعد نجاح محاضراته وإقبال المهتمين على تدويناته التي تستهدف شريحة مهمة من الشباب الواعدين. وبدأ هاريسون بجني الأرباح إلكترونيا مبكرا، مبكرا جدا. وذلك قبل أن يبلغ 13 عاما من عمره عبر بيع العملات المعدنية عن طريق موقع المزاد الإلكتروني (أي بيه).

القاسم المشترك بين آشلي وهاريسون هو تخصصهما في مجال محدد وبسيط ساهم في تركيزهما وانتشارهما وذيوع صيتهما، ناهيك عن بدايتهما المبكرة التي أثرت تجربتيهما وشخصيتيهما. نجاحهما يذكرني بنجاح مواطننا الشاب مازن الضرّاب (25 عاما)، الذي فاز مؤخرا بالمركز الأول في التدوين الشخصي في مسابقة جائزة هديل للإعلام الجديد. فمازن الحاصل على البكالوريوس في نظم المعلومات من جامعة الملك سعود بالرياض، والماجستير في التجارة الإلكترونية من أستراليا يعد أحد أهم الأسماء الشابة المهتمة بالتجارة الإلكترونية بالمملكة. فقد أنشأ مازن مدونة خاصة بالتجارة الإلكترونية قبل نحو عام يضع فيها مواضيع وأفكار لافتة بأسلوبه الشيق والمتدفق. وبالإضافة إلى ذلك لديه موقع (مدرسة مازن) التي يقدم فيها دروسا مجانية في التصميم وبناء المواقع بطريقة فاتنة. من يزر موقع مازن سيصاب بالفخر من أول زيارة. فهو يسحر من يتجول في موقعه إثر ابتسامته الهائلة المعلقة في صدر الصفحة الرئيسة وتصميم الموقع السهل الممتنع وأبوابه المتنوعة المبتكرة. مازن الذي يعتمد (السمبلة)، من سيمبل باللغة الإنجليزية، أي فن تبسيط الأشياء، عنوانا له يعد أحد الوجوه العربية الواعدة في التجارة الإلكترونية والتسويق عبر الإنترنت. فهو يملك مهارات قلما تتوفر في جسد واحد. فبالإضافة إلى مهارته في التصميم والتجارة الإلكترونية يمتاز بلغة إعلامية شهية تتضح جليا عبر قناته الإلكترونية، وقناة (حركات) الذي يستضيف فيها شخصيات ناجحة من فضاء الإنترنت.

النجاح الذي يحققه مازن نتيجة طبيعية لتأسيس مبكر صنع منه موهبة تشي بمستقبل باهر. فقد تعلم التصميم في سن مبكرة جدا. كما خاض مازن تجارب مبكرة مهمة صقلت أدواته كتأسيس تجمع طلاب جامعة الملك سعود الإلكتروني. وترجم بحرفية عالية مقالة، تيم أورايلي، المطولة والعلمية حول الجيل الثاني للويب، والتي استفاد منها العديد من المستخدمين العرب.

من يتابع صعود مازن الضرّاب يكاد يجزم بأنه سيكون رقما مهما في عالم الإنترنت المشرق. فهذه الموهبة الفذة والنجاحات الكبيرة التي استهلها بجائزة هديل بوادر تعكس تميزه.

إن سر هذا النجاح المذهل يكمن في شيئين بسيطين: التخصص، والبساطة. فمازن تخصص في هذا المجال وانهمك فيه وسبر أغواره وغاص في أعماقه فخرج إلينا بدرر. كما أنه حافظ على روح البساطة في تنفيذ مشاريعه الإلكترونية دون أن يحيد عن مساره أو خطه، مما جعله يتنزع إعجابا بعد آخر، وانتصارا تلو آخر.

ثمة أزمة نعاني منها في أوطاننا وأعتبرها أحد أسباب تراجعنا وتخلفنا وتكمن في أن المبدع العربي فور أن يبرز ويشتهر يصبح خبيرا في كل شيء ومعلقا على كل شيء. فالأستاذ المتخصص في مجال معين يفتي في مجال آخر ليأتي بالعجائب. والأسوأ من ذلك أننا نخسر هذا المبدع في مجاله الأساس ويهدر وقته فيما لا يخدمه ولا يخدمنا.

إننا نضحك على الغربيين كونهم لا يعرفون أسماء عواصم الدول المجاورة، بينما من المفترض أن نضحك على أنفسنا لأننا ركزنا على كل شيء فلم نحصل على أي شيء. أملي في مازن والجيل الحالي كبير لتغيير واقعنا... لصياغة مستقبلنا.

فلنتعلم من آشلي وهاريسون وقبلهما بيل جيتس وستيف جوبز كيف أن النجاح لا يعني أن تكون مثقفا في كل شيء. لكن مميزا في شيء واحد ومخلصا له.