جاء في محكم التنزيل (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا). وإليكم هذه القصة..

تسلل اثنان من حيوانات الخلد في ليلة مظلمة غارت نجومها إلى الغابة قال الأول يا صديقي فلنتمتع بالوقت ونتسامر؟ قال الثاني حسنا ما قلت، وعلينا أن نجد شجرة وارفة الظلال؛ فنتبادل أطراف الحديث تحتها وما شعرنا بالملل والمخافة والسآمة فالنسيم عليل والجو ليل جميل. كانت البومة جالسة على شجرة بلوط فصاحت بهما أنتما؟ فارتجفا في خوف وذهول كيف يمكن لكائن أن يرى في الظلام؟ فقالا من أنت وكيف اهتديت إلينا؟

نظر حيوان الخلد إلى صاحبه وقال هل سمعت عن كائن في الظلام يرى ما يعجز الآخرون عن رؤيته في النهار؟ ثم إن الخلدين هرعا إلى حيوانات الحقل ليخبرا أن البومة هي لا شك أعقل الحيوانات، لأنها تستطيع الرؤية في الظلام، ولأنها تستطيع الجواب عن كل سؤال، فهل من حيوان آخر في الغابة يحمل مثل هذه الصفات؟

قام طائر كبير وقال يا قوم دعوني أذهب في جولة تفقدية وسنرى حقيقة الأمر؟ ثم إنه جاء إلى البومة في ليلة مظلمة فناداها أيتها البومة الحكيمة كم مخلبا أخفي؟ أجابت البومة اثنين. وكان ذلك صحيحا.

رجع الطير إلى الحيوانات فصرخ بأعلى صوته أن البومة سيدة الكائنات حكمة لأنها ترى في الظلام ولأنها تجيب عن كل سؤال؟

انبرى ثعلب فسأل هل تستطيع البومة أن ترى في النهار كما ترى في الليل؟

نظر الطائر وجماعته إلى السؤال السخيف وقالوا تبا لك؟ ثم إن حيوانات الغابة قامت بطرد الثعلب وأشياعه من الغابة فهم يشككون في حقيقة البومة وينالون من شخصيتها المتعالية.

تشاورت حيوانات الغابة ماذا تفعل؟ فوصلت إلى القول الذي يقول إن البومة بهذه الصفات لاشك أنها تصلح أن تكون إمبراطورا متوجا على كل الغابة.

وصل الخبر إلى البومة ليلا فتأهبت لهذا المنصب الجديد، إلا أنها جاءت مع شروق شمس اليوم التالي.

حين وصلت البومة كانت الشمس قد سطعت، وأخذت تسير ببطء في وهج الشمس، مما أعطاها المزيد من الوقار. وكانت أثناء هذا تحملق بعينين واسعتين مبحلقتين فيما حولها.

صرخت دجاجة إنها إلهة؟ فالتقط الآخرون الصرخة وزعقوا بما أوتوا من قوة إنها إلهة؟ وتبعوا البومة حيث ذهبت، وحيثما اصطدمت بالأشياء اصطدموا ولم يبالوا؛ فالزعيم لا يخطئ ولو انطرق وانخلع.

أخيرا وصلوا إلى شارع عريض والجماهير تتبع البومة وتهتف بالدم بالروح نفديك يا بومتنا الغالية!

أثناء هذا لاحظ صقر اقتراب شاحنة مسرعة فصاح انتبهوا؟ إلا أن البومة تابعت المسير والجمهور الهتاف خلفها لا يبالي!

أخيرا قام كلب صغير وسأل الزعيمة البومة ألست خائفة يا سيدتي؟

قالت: وممن؟

كانت البومة هادئة فهي لا ترى شيئا، ولا تقدر الخطر، ولا تسمع لصيحات التحذير طالما كانت الجماهير تهتف خلفها.

حين رأت جموع الغابة من الجماهير الزاحفة من الحيوانات أن البومة لم تضطرب ولم ترتع قط صاحوا بصوت مبحوح إنها ولا شك إلهة؟

واستمرت الجموع في ترداد الهتاف والسير خلف خطى البومة المتثاقلة وفجأة خرج صوت صراخ شديد فقد صدمتهم الشاحنة؛ فقتل من قتل، وجرح من جرح، وأطلق البقية سيقانهم للريح لا يلوون على شيء!