في أحد أجنحة قسم الطوارئ بالمستشفى العسكري في خميس مشيط، لمحت العم – أحمد قايد – ينام على السرير المقابل. يمني شقيق كريم من هذه الوجوه التي عاشت عمرها بيننا وأصبحت لزمة من علامات وتفاصيل هذه المدينة. كنت في غاية السعادة وأنا أراقب ذات الطواقم الطبية التي تعالج – والدتي – على السرير المقابل هي ذاتها التي تتناوب هرولة إلى العم أحمد قايد وتعطيه نفس الاهتمام في حاجيات قصته المرضية. وسعادتي لأسباب منها أن هذا هو وطني وهذه هي صورة بلدي وهذه هي شيم أهله التي تمد صنائع المعروف وتقلِّب صفحات الوجه الإنساني لهذا المجتمع. إنما ترزقون بضعفائكم. سعادتي لأن هذا – العم – الوفي الجميل قد أعطاني اليوم فرصة للحديث عن البسطاء الذين يعيشون على الهوامش والظل. قبل أشهر قابلته وهو يشكو – قلبه – المنهك بلا قوة أو حيل، وبالأمس، ومن ذات الجيب الذي يرفرف فوق ذات القلب يخرج لي بفرحة وزهو أمر – أمير القلوب – سلطان بن عبدالعزيز بعلاجه في المشفى العسكري. سعادتي لأن – المرافق – بجوار سريره ليس إلا شاباً سعودياً أصيلاً يحفظ الوفاء لهذا – الوجه المنسي – لسبب من صنائع المعروف: لأن والده لم يوصه بشيء إلا برد الجميل لهذا اليمني الأصيل الشقيق. لماذا؟ لأن الأب الراحل كان يخرج ذات زمن بكيس مملوء بالنقود كمحاسب للرواتب في إدارة حكومية ضخمة وحين كان يخاف على هذه – الملايين – كان يستودعها في غرفة العم أحمد قايد كي تخفى على العيون ويأخذ منها قدر الرواتب التي يصرفها في الجهات البعيدة المختلفة، وعاش على هذا النهج لسنين طويلة. لم يمد العم أحمد قايد يده لريال وهو الذي كان – ذات الزمن – يستطيع الهرب بهذه الملايين في ظرف ساعة إلى عالم جديد ومستقبل مختلف. سعادتي لأن هذا المجتمع والوطن لن يظلم الأوفياء ولن يقلب ظهر المجن على الأمناء، وسعادتي لأنني اليوم أكتب عن قصة وافد شهم كريم. عن فرحة العيون التي مازالت تنضح بالألم وتعج بالأمل من فوق المعاناة. عن رجل أعرف تماماً أنه لا يحمل في جيبه بعد هذه العقود من الكفاح إلا ورقة العلاج السامية فوق قلب منهك ومتعب. سلامات يا عم.