تداخلت المشاعرُ وأنا أتابع ـ أمس ـ "أوبريت" الجنادرية "فرحة وطن"، ففي جانبٍ من القلب سعادةٌ كبيرةٌ لأنّ كاتبَ "الأوبريت"، رفيقُ درب، وصديقُ مرحلة، هو "شاعر الورد" عبدالله الشريف الذي أبلغني ـ مُبشِّراً ـ قبل غيري بأنّه كُلّف بكتابة "أوبريت" هذا العام، وكنتُ على ثقة بأنّه عند الثقة، لأنّه يشعر بما يقول ويؤمن، ولأنه ريفيٌّ نقىٌّ كنسيم قرية.
وفي الجهة الأخرى من القلب حزنٌ شفيف، ينتابني مع كل جنادرية، ومردّه إلى ذكرى "صوت الأرض" التي تعتادني كلّما استمعتُ إلى "أوبريت" مما قُدّم في الجنادريّة عبر 22 عاماً.
منذ "مولد أمة"، ومروراً بـ "التوحيد"، و "كفاح أجيال"، و "أرض الرسالات"، و "أنت الوطن"، حتى "فرحة وطن"، بقي طلال مداح حاضِراً حاضِراً؛ بقي حاضِراً حين كان صوتُه الأخّاذ يأخذ الوجدانات إلى الأغنية الوطنيّة التي تتكئ على إمكانات الفنّان نفسِه، لا على الصخب الإيقاعي، وصراع "الطِّيْران". وبقي حاضِراً حين صار "أوبريت" الجنادرية مناسبة شعورية تستحثّ الحنين على استحضار طلال مدّاح، واستعادة ريادة صوته "لأوبريت" الجنادرية، منذ البدء الأول، في "مولد أمة" الذي لا يمكن للذاكرة المنصفة أن تتجاوزه بوصفه المبتدأ والمقياس.
طلال الذي لن يؤدي أحدٌ غيرُه "وطني الحبيب" كما أدّاها، بل إن غير "وطني الحبيب" لن تكون في مستوى تأثيرها؛ يغيبُ عن إعلامنا غياباً مُريباً، يشي بأن التغييب مقصود، وأن هناك تآمراً خفيّاً على آذاننا، وعلى "صوت الأرض"، حتّى إن الحصول على طلال عند استعراض ما يزيد على 400 قناة فضائية، يعد "صَيْدةً" نادرة، وكأن "صوت الأرض" لم يكن صوتها، ولم يكن حجر الزاوية في تاريخ الأغنية السعودية بشقيها: الوطني والعاطفي، ولم يكن "طَعْمَ" الأغنية السعوديّة، ومانحَها تميّزها وفرادتها، سواء أكان ذلك من خلال الأداء بإحساسٍ عميق، أم من خلال الصوت الذي لا يدنو من جماله صوت.
بالمناسبة؛ هل يستحق طلال منّا كلّ هذا الجحود؟