لا يوجد شيء أسوأ من الشعور وكأنك تعيش وتعمل في حفرة تعج بالثعابين! لماذا وكيف يحدث ذلك في أجواء المكاتب؟ الأسباب طبعا متعددة، ولكن في كثير من الأحيان يكون السبب الأول الشعور بالملل إما لتقصير الموظف بعمله فلا يجد ما يفعله سوى التنقل من مكتب إلى مكتب للتسلية والحديث، وهنا يظهر ضعف المؤسسة في مراقبة إنتاج الموظفين وفي إعلان المسؤوليات بشكل واضح وبطريقة منظمة، بحيث يعرف كل فرد ما له وما عليه، لأن أي نقص في المعلومات، خاصة تلك التي تخص حياة الموظفين داخل جدران المؤسسة مثل المعلومات عن إجراءات الترقيات أو التسريح من العمل، يتسبب في تطوع البعض لملء هذا الفراغ المعلوماتي، أو لأن يكون الأمر متعمدا من بعض المسؤولين ممن يستخدم أسلوب التشهير أو التشويه لسمعة فرد ما لتحقيق مكاسب شخصية كالتخلص من غريم أو موظف من أجل قريب أو صديق ينتظر في الظل، أو لإحساس الموظف بالغبن في المعاملة مقارنة بزملاء من دول أجنبية، وعليه فإن ترك الأمر من دون رادع سوف ينتهي به إلى خلق مشاكل خطيرة، أولها وأهمها الانخفاض في الأداء الوظيفي والانشغال في حروب جانبية من أجل البقاء، وفوق هذا وذاك سوف يشعر الموظفون بأنهم يعملون في بيئة معادية تخضع للواسطات والتمييز، كما سيعزز ذلك الإيمان لدى البعض بأنهم غرباء، سواء كانوا يعملون في شركات وطنية، أو أجنبية أو عربية، فيشكل بعضهم مجموعات من الجنسيات المختلفة ويبدأ التخطيط والتآمر، كل مجموعة على الأخرى، من أجل الحفاظ على الوظيفة.

لنأخذ كمثال أول أن هنالك شركة أجنبية كبيرة، ولنفترض أنها تقوم بإجراءات تعسفية أوصلت الحد بموظيفها السعوديين بأن يشعروا وكأنهم يجاهدون في ساحة حرب لا بيئة عمل آمنة داعمة بمساحات للتطوير والترقي، شائعات هنا وهناك وتضارب في المعلومات، عدا عن التمييز في الرواتب وبنود عقود العمل، ماذا ستكون أول ردة فعل؟ الاعتراض الجماعي على ما يحدث لهم من تفرقة في المعاملة والفصل التعسفي، والتغاضي المستفز عن الشائعات التي قد تكون أصابت زملاء لهم ممن قد يكونون قاموا بلفت نظر المديرين إلى تعديات مالية أو إدارية، فاستُخدم معهم أسلوب التضييق من أجل الاستقالة طوعا أو كرها، أو تحت الترهيب أحيانا، وحين لا يتم لهم ذلك يتحول الاتجاه إلى أسلوب الفصل التعسفي، وأحيانا بطريقة مهينة! كأن يسلم قرار الفصل ويطلب من الموظف تسليم مفاتيح المكتب والجوال الخاص بالشركة، الذي قد يحتوي على أرقام شخصية، وجهاز الحاسب المحمول والذي قد يحتوي على معلومات تهمه مهنيا من إنجازات أو مشاريع قام بتخطيطها، كما يمنع من حمل أية أوراق من مكتبه حتى ولو كانت خاصة، ويصاحب بواسطة أحد رجال الأمن إلى الخارج وكأنه ارتكب جريمة. هنا بالتأكيد ستنشأ بيئة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها حفرة تعج بالثعابين!

ومثال آخر لنفترض أن هنالك إحدى الشركات الوطنية الكبرى، يشعر موظفوها السعوديون بالغبن حين يرون أن شركتهم تتعامل معهم بأسلوب الكيل بمكيالين، خاصة حين يتعلق الأمر بموظفي دولة أجنبية معينة، فتقوم بصرف راتبين لهم أسوة بزملائهم السعوديين تماشيا مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين، ولكنها في نفس الوقت تتغاضى عن السعوديين المتعاقدين، وبالرغم من أنها لا تصرف للموظف السعودي نفس نسبة الرواتب العالية أو تذاكر السفر السنوية، أو التكاليف الدراسية لأبنائهم، وغيرها الكثير من المميزات، لا تجد أي حرج بأن تطالب الموظف السعودي بأن يداوم في شهر مثل رمضان من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة بعد الظهر مثله مثل الموظف الأجنبي!

ما أريد قوله أنه حين تتغاضى مثل هذه الشركة أو غيرها عن مثل هذه الأمور، تخلق جوا من التذمر، وبهذا فهي تدفع الموظف دفعا إلى الإقلال من الإنتاجية لشعوره بالظلم، خاصة أنها تحاسبه إن تم أي تقصير، ويغيب عنها أنها هي سبب انخفاض روح العمل، وإن استمر الأمر دون أن تتخذ الإجراءات اللازمة والإصغاء لما يدور في الأروقة وعلى شبكات الإنترنت وفي المنتديات، سوف تخسر كل ما بنته في سنين من سمعة وإنتاجية، والأهم ولاء الموظفين.

وهنا نقول إنه ربما من الحكمة أن تتحرك هذه الشركات ومثيلاتها، للقيام بتحديد موعد للاجتماع مع الموظفين على الأقل مرة واحدة في الشهر بحيث يسمح للجميع بالحديث عن همومهم ومخاوفهم الخاصة بالعمل، وأخذ الإجراءات اللازمة التي تعالج ذلك، والعمل على إبقاء الموظفين على اطلاع بما يجري داخل الشركة من توجهات وترقيات، أو أية إجراءات أو خطط مستقبلية، والأفضل أن تشاركهم في ذلك، وبناء ثقافة داعمة بدلا من التنافسية، وذلك من خلال العدالة في إبرام العقود ومع الجميع بغض النظر عن الجنسية، بل التركيز على الخبرات والقدرات ونسب الإنتاجية المتوقعة، والتعامل مع أية قضية بشكل فوري وعدم الانتظار حتى يتفاقم الأمر وينتشر التذمر وتكثر الشكاوى التي إن لم تجد إذنا صاغية من الإدارة فسوف تبحث عن طرق أخرى بحيث تجعل مئات بل أحيانا آلاف من داخل أو خارج المؤسسة يقرأون عنها، قد تكون حقيقة وقد تكون مبالغة وقد تكون مجرد إشاعات لتواجد فراغ في المعلومات، ولكنها تظل بلبلة وسمعة سلبية ليست في مصلحة أية مؤسسة تبحث عن الإنتاجية والربح، والحذر من استخدام التفرقة وأسلوب إطلاق الشائعات كاستراتيجية متعمدة للتحكم بالموظفين، وليعلموا أن اليوم غير الأمس وأن الأمر قد يتحول لاعتراضات تنتشر في كل مكان، وفي النهاية هم الخاسرون.