لو كنت معدا لمناهج دراسية في الإعلام، لوضعت للقطة "أبو جلابية" التي حدثت في ثوان معدودة ضمن أحداث الشغب التي صاحبت لقاء الزمالك المصري والأفريقي التونسي قبل أيام قليلة، فصلا كاملا تحت عنوان "صناعة البطل الكاذب"، فتلك اللقطة التي حفلت بمشاهدات كبيرة جدا وصلت إلى الملايين، تختصر واقع الإعلام الفضائي العالمي الذي أصبح يستند بشكل كبير على تقنيات الإعلام الجديد (مقاطع الأجهزة المحمولة). هذا الواقع الذي يحاول صنع الأبطال من الأوهام وإذا لم يجد وهما، فلن يعدم الوسيلة، حيث سيصنع "بطلا من كذبة" ثم ينفخ فيه حتى يصبح صورة مشاهدة. ولنا أن نتأمل في مئات "الفبركات" البصرية والعقلية التي تمارس في الفضائيات الناطقة بالعربية، وخصوصا تلك التي تتحارب حاليا فيما بينها نيابة عن غيرها، تحت أردية الطائفية أو القومية. وبالطبع فالاحتراب السياسي هو وقودها الأول، وغالبا ما تسطع نجوم "خبراء" صناعة الأوهام والأكاذيب في مثل هذه الظروف بل إنهم يصبحون عملة نادرة ونجوما من ذهب يبحث عنهم الجميع حتى يحولوا أي شيء إلى كل شيء.
ولننظر إلى تسابق الفضائيات على أي مقطع مرئي يبث هنا أو هناك، وجعله الحقيقة الغائبة، ولكن ولأن "حبل الكذب قصير" كما يقال، انكشف زيف الكثير من المقاطع التي دندنت عليها فضائيات عربية وأجنبية كثيرة، حيث ظهر أن بعضها صور قبل سنوات عدة وفي أحداث ومناسبات أخرى لا علاقة لها بالمكان ولا الزمان الذي يتحدثون عنه. ولننظر مثلا إلى "الفبركات" المضحكة التي تمارسها قناة مثل "العالم" الإيرانية، فكم من مقطع رديء التركيب طارت به فرحا وخصصت له البرامج الطويلة العريضة، واستضافت له "خبراء الدولار" الذين نراهم منذ سنوات يتنقلون من مكان لآخر ومن طرف إلى طرف حسب الظروف، وحسب من يدفع أكثر! ثم فجأة تنكشف الفضيحة ويأتي من يثبت أن هذا المقطع أو ذاك صور قبل سنوات عديدة، وأن "خبير التلفيق" لم يكن سوى نصاب أخذ المقسوم وهرب! .
وهذا يدل على أن "جلابيات" و"عمائم" القنوات الفضائية جلبت من أسواق "أبو ريالين" الصينية، ربما لأنها وجبة خفيفة تتناسب مع خفة عقول من يجري وراءها ويعتقدها صدقا!