فتوى إرضاع الكبير صدرت منذ عامين عن رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر، حيث حددها صاحبها د. عزت عطية بإرضاع الموظفة لزميلها في العمل كي يمكنهما الخلوة، ولما قامت الدنيا بسبب هذه الفتوى وتمت إقالته من منصبه واتهم الإعلام بتجييش الناس والفهم الخاطئ وحذّر: "هذا يحدث دائما إذا تكلم غير أهل العلم في المسائل العلمية الدقيقة"، والسؤال الذي لم يتم توجيهه له: هل كان من الضروري أن يتكلم أهل العلم في مسألة لا يوجد مبرّر لإثارتها؟ ما الداعي لأن يخلو الموظف بالموظفة في العمل؟ علماً بأن الخلوة المحرمة هي التي لا يستطيع أحد الدخول على المختلي والمختلى بها كأن يقفلا الباب عليهما من الداخل، فما الذي يبرّر وجود خلوة كهذه في العمل؟!


الآن جاء دور الشيخ العبيكان لنطرح عليه سؤالا مشابهاً: ما الداعي إلى إثارة فتوى إرضاع الكبير حتى بعد أن أوضح أن المقصود بها إحدى حالتين: طفل أخذ من ملجأ لا يعرف له أم ولا أب، أو أخ احتاج للسكن مع أخيه المتزوج؟ هذا التوضيح اعتبرته الكثير من وسائل الإعلام تراجعاً جزئياً عن فتواه الأولى التي لم تكن محددة، ولهذا جاءت تعليقات القراء في كل المواقع الإلكترونية التي طارت بالفتوى تسأل عن إرضاع السائق، والذي هو في الحقيقة أكثر الناس احتياجاً للدخول على الأسرة في المجتمع السعودي، فجاء تعليق الشيخ العبيكان أن هذه الفتوى لا تشمل السائقين ولا الخدم، والسؤال: لماذا لا تشملهم؟ ما دام الشيخ قد بيّن أن الرضاعة لا تكون بإلقام الثدي بل بحلب الثدي في وعاء ثم يشربه الكبير، فما يناسب الأخ الذي ليس له أحد غير أخيه، ينطبق تماماً على الأسرة التي لديها سائق يكثر من الدخول عليها كإحضار حاجيات وإيصال طالبات مع الخلوة بهن في السيارة وغيرها، فلماذا نخرج السائقين من هذه الفتوى إلا إذا كان الإسلام دين التمييز وحاشاه أن يكون كذلك؟!


هذه الأسئلة لا أطرحها لاقتناعي بالفتوى، بل مع احترامي للشيخ العبيكان، فإن الفتوى ليست في مكانها وزمانها اللائقين، وقد انتقده بعض مشايخ المملكة عليها؛ وفي رأيي أنها مخصصة بسالم وسهلة التي ربته وكانت تشعر نحوه بالأمومة، بينما لم يكن زوجها يشعر بالراحة عند دخول سالم على أهل بيته بعد بلوغه، لذلك رخص لها النبي عليه الصلاة والسلام بإرضاعه؛ وإذا أخذنا بهذه الفتوى في حال من رباه أهل البيت صغيراً، فالسؤال هنا: لماذا ينتظرون حتى يبلغ سن الحلم ثم ترضعه سيدة البيت؟ أي لماذا لا تقوم بإرضاعه قبل بلوغه سن التمييز حتى لو كان العاشرة أو السابعة؟ والمقصد أن آية الحجاب نزلت بعد وجود سالم وبلوغه، أما الآن فإن النساء يحتجبن ومن أرادت أن تعتني بيتيم وتعتبره كابنها في المحرمية فلترضعه منذ صغره هي أو إحدى أخواتها، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الداعي إذاً لهذه الفتوى من الأصل ما دام هذا الطفل سيحرم بالإرضاع وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، لوجود آية في سورة النساء تدل على تحريم الزواج بسبب الرضاع، ولكنها الرضاعة التي تبني العظم وتكوّن اللحم، ناهيك عن أنها ربما تغير شيئاً من الطبيعة الوراثية للصغير، بحيث يصبح أسمر اللون كالتي أرضعته بعد أن كان أبيض؟!





كنت أتمنى من المشايخ الذين يتصدون للفتاوى أن يوجّهوا عقول المسلمين وعلماءهم المهتمين بالبيولوجيا إلى دراسة السبب الذي يحرّم الزواج بالرضاع، فالزواج من المحرمات بالقرابة محرّم لأن الذرية تضعف عندما يتزوج الأخ أخته مثلا، عدا أن الفطرة السليمة تأباه، لكن المحرم بالرضاع قد لا تأباه الفطرة خصوصاً إذا لم يتم العيش في بيت واحد، فما سبب تحريمه من الناحية البيولوجية؟ هل هناك مورثات تنتقل بالحليب تجعل الرجل وأخته اللذين رضعا في صغرهما من نفس الثدي مهدّدين بفناء الذرية في حالة تلاقي المورثات بعد الزواج والإنجاب؟ هذا بحث علمي لو أثبته علماء المسلمين المهتمون بالوراثة لكان مدخلا لإيمان الملحدين الذين يزداد عددهم في العالم، في الوقت الذي تزداد الفتاوى غير الصالحة للزمان والمكان وهو ما ينفّر الناس من الدين.


بمناسبة الحديث عن الفطرة فإن الفطرة السليمة تأنف من شرب حليب المرضع المخصص للصغير، وقد وصلني بريد إلكتروني عن شخص أمريكي يبيع الجبنة المصنوعة من حليب زوجته، وإذ يتردد الكثيرون في تذوقها، يتساءل المرسل عن الذين تذوقوها إن كانوا قد أصبحوا أبناء الأمريكي بالرضاعة؟! وأما من احتج بفعل عائشة وأمرها لبنات أخيها أن يرضعن من أرادت أن يدخل عليها من الغرباء، فهو خاص بها لأنها مأمورة بالحجاب الكامل كباقي نساء النبي مع أنهن لم يوافقنها على الرخصة، عدا أن الناس في زمنها كانوا يفعلون ما لا نستسيغه نحن حالياً، فقد كانوا – وما زال بعض البدو يفعله - يتداوون ببول الجمال فيشربونها وليس فقط يستحمون بها، فهل هناك رجل نشأ في الحضر يستسيغ شرب بول الإبل وهو لايستطيع تذوق حليب النوق خشية الإصابة بالإسهال؟!


الرجاء من الفقهاء ألا يتجاوبوا مع أي سؤال ليس منه فائدة، فالأخ الذي يعيش مع أخيه لأنه ليس له سوى أخيه وزوجة أخيه، هو حالة نادرة، بينما السائق هو حالة عامة، فلماذا نخصّص العام ونعمّم الخاص؟ هذا سؤال والسؤال الآخر، ما العمل لو أن زوجة الأخ ليست مرضعاً ولا يوجد من أخواتها مرضعات؟ والسؤال الخاتم: لو أن السيدة التي تحتاج لمن يدخل عليها كانت أرملة أو مطلقة ولم يعد لديها حليب في ثدييها، لأنه ليس لها زوج، أليس من الأجدر لأهل العلم أن يجدوا مخرجاً لها من العنت بحيث يسمح لها بدخول رجل غريب لكنه موثوق، ما دام ليس في الأمر خلوة كما في الأحاديث التي ساقها الشيخ أحمد الغامدي واستشهد بها وزير العدل نفسه للدلالة على عدم حرمة الاختلاط؟ وإلى متى تبقى فوبيا الاختلاط منطلقاً لفتاوى تضحك علينا العالم؟!