في حرم "جامعة الدمام"، وبالقرب من مبنى كلية "التمريض" للبنات، استأذنتُ طالبتين، كانتا تجلسان على طاولة للغداء، للانضمام إليهما، أثناء تواجدي لتغطية حدث صحي، أقيم في الجامعة. كان تصرفهما يعبّر عن لباقة بالغة، ورحبّتا بكل سرور، قبل أن أعرفهما بطبيعة زيارتي للمكان.
هروبُ العرسان!
كانت "أبرار" الأكثر بشاشة، الطالبة في كلية "التمريض" هي وزميلتها "نوف". وأثناء التعرف على طبيعة دراستهما، أخذ الحديث منعطفاً آخر، بمجرد وصول زميلتيهما "رامية"، و"مرام"، حيث أثارت إحداهما مشكلة هروب "العرسان"، بمجرد معرفتهم بتخصصهن الدراسي! حيث أكدت أبرار أن المجتمع ما زال يعاني من نظرة قاصرة تجاه عمل الممرضة، بالرغم من أنها من أسمى المهن إنسانية، بل إنها لا تقل أهمية عن مهنة الطب، فهي توازيها في التعامل مع الحالات المرضية، بشكل مباشر.
تذكر أبرار قصة إحدى زميلاتها، التي اضطرت إلى تغيير مسار دراستها في التمريض، بسبب خطيبها الذي أجبرها على تغيير التخصص بعد عامين من الدراسة، حينها قاطعت رامية حديثها بحماس شديد، حيث أكدت استهجانها للنظرة السلبية من قبل "العرسان"، تجاه الفتاة الممرضة، مؤكدة أن هناك أطباء يرفضون رفضاً قاطعاً الزواج من ممرضة، في الوقت الذي يُفترض أن يكون لديهم خلفية ثقافية ووعي أكثر. فيما أشارت نوف إلى أن شاباً تقدم لخطبتها، وبمجرد أن سألتها والدته عن تخصصها الدراسي، تغيّرت ملامح الأم، وأخبرتها في اليوم التالي في مكالمة هاتفية، أن ابنها لا يرغب في زوجة تعمل ممرضة!.
ضغوطات الأزواج
الأمر لا يقف عند ما سلف من قصص، حيث ذكرت أبرار، أن خطيبها الحالي ربط استمرارها في العمل في تخصصها، بالمستشفى الذي ستتجه للعمل فيه. حيث أخبرها أنه سيحدّد لها المستشفى الذي تعمل فيه!. في ذات الوقت، أخبرنني الفتيات، أن زوج إحدى زميلاتهن، هددها بأنها ستنسحب من تخصصها، عندما تحصل على معدل منخفض، واصفات تصرفه بأنه "محاولة للضغط على زوجته، وتعجيزها".
60% من الأزواج يرفضون
مأذون الأنكحة في أبها، أحمد عسيري، ذكر إلى "الوطن"، أن "90% من الأزواج المعدّدين، يطلبون أن تكون الزوجة موظفة، ولا يبالون بطبيعة العمل"، مشيراً إلى أن "60% من المقبلين على الزواج للمرة الأولى، يرفضون الارتباط بالممرضة، لأسباب تتعلق بالعمل في محيط الرجال، ووجود مناوبات، مما يتسبب في الغياب عن المنزل لساعات طويلة"، مؤكداً أن "الولي في العادة يشترط أن تعمل الفتاة (سواء كانت ابنة أو أخت)، أو تكمل تعليمها، في نفس المجال الذي بدأت الدراسة فيه".
ثقافة الزوج
المسألة في نظر مأذون الأنكحة في تبوك، سلامة العطوي، ذات بعد ثقافي، معتبرا أن "إقبال الشاب على الارتباط بامرأة تعمل في القطاع الصحي، يعتمد على ثقافة الزوج"، مشيراً إلى أن "قلة ثقافة الزوج، تساهم في عدم تفهم طبيعة عمل الممرضة"، موضحا أنه تعرض لمواقف حول هذه المشكلة، حيث تقدم شاب لقريبته التي تدرس في قسم التمريض، وكان لديه علم بذلك، ولها شقيقة تعمل في التمريض، وأثناء عقد النكاح، اشترط الأهل أن تعمل ابنتهم بعد إنهاء دراستها في نفس تخصصها، لكن العريس رفض تماماً، واحتد النقاش بين الجانبين، ولم يتم العقد. العطوي يرى أن "هناك مشكلة تتعلق بتوجه ثقافة الشباب، بعدم الاتجاه للمرأة التي تعمل في المجال الصحي"، مبيناً أن الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 عاما، لا يقبلون الارتباط بممرضة. مؤكداً أنه "كلما تقدم الإنسان في العمر، يتقبل الزوجة كيفما كانت ظروفها، فالأهم أن تكون موظفة وتتحمل مسئولية نفسها"، معتبرا أن "الشاب يمكن أن يرضى بالزوجة الطبيبة، أو الصيدلانية، أو الممرضة التي تعمل في أقسام خاصة بالنساء، أو إذا كانت مترجمة مثلاً. ولكن المشكلة تنحصر في عمل التمريض، لأن أوقات ساعات العمل غير ثابتة، ويوجد فيها مقابلة للجمهور بشكل أكبر"، وهذا ما لمسه العطوي من خلال تجربته.
حتى الأطباء!
من جهته، أبان رئيس لجنة "التكافل الأسري"، في إمارة المنطقة الشرقية، والمشرف على موقع " تصافينا" الأسري، الدكتور غازي الشمري، أن "البعض من الشباب لديهم تخوّف من الارتباط بالمرأة العاملة في القطاع الصحي، بمن فيهم الأطباء أنفسهم"، حيث يشير إلى أن "كثيرا من الأطباء العاملين في القطاع الصحي، يرفض الارتباط بزوجة تعمل في القطاع الصحي، وتختلف الأسباب لذلك، ولكن أهمها تبرّج بعض الفتيات الزائد العاملات في القطاع، وطبيعة دوام الممرضة والطبيبة، من حيث المناوبات وساعات العمل الطويلة، التي تقضيها في العمل، وهذا يزعج الزوج على المدى البعيد. بالإضافة إلى وجود الراتب العالي، خاصة لدى الطبيبة، مما قد يحدث خلافات بين الطرفين". وقال الشمري إن لديه حالياً أكثر من حالة طلاق بين أزواج أطباء، ولكنه يعود ليؤكد أن "المشكلة لا يمكن تعميمها، حيث أن هناك حالات لشباب يحرص على الارتباط بالعاملة في القطاع الصحي، وخاصة الطبيبة"، مبيناً أن هذه المشكلة "موجودة في دول الخليج أيضاً، وليست في السعودية فقط"، ويرى "ضرورة تعديل طبيعة عمل المرأة في القطاع الصحي، من حيث عدد الساعات الطويلة والمناوبات، وفتح المجال للعمل في المستشفيات المتخصصة النسائية".
التمريض ليس المشكلة
على المقلب الآخر، ترى مديرة إدارة التمريض في المديرية العامة للشئون الصحية في المنطقة الشرقية، شريفة الزيد أن مهنة التمريض "لا تحدّ من الزواج، ولكن الزواج يحدّ من عمل الممرضة"، حيث تشير أن "زيجات الممرضات مستمرة، لكن بمجرد أن يتزوج الرجل من ممرضة، فإنه يبدأ في فرض قوانينه على عملها"، حيث تؤكد الزيد من خلال خبرتها أن "الزوج يبدأ في التحكم بطبيعة عمل زوجته الممرضة بعد الزواج، مثل عدم العمل في المناوبات، وعدم العمل في المستشفيات، والاقتصار على المراكز الصحية فقط، لأن العمل فيها صباحي، وعدم العمل مع الجنس الآخر تحت مسمى الاختلاط"، مشيرة إلى أن كل ذلك يحدث "رغم علم الزوج منذ بداية الارتباط بطبيعة عمل زوجته، وبالتالي لا يصبح لدى الممرضة الزوجة خيار، إلا أن تُكيّف عملها بما يتواءم مع رغبة الزوج". وبينت الزيد أنها عاصرت انسحاب زميلات لها أثناء الدراسة من تخصص التمريض بسبب الزوج، مؤكدة في ذات الوقت أنه لم تمر عليها حالات انسحاب من العمل، حتى الآن.
الأسرة في خطر!
السنوات التي قضتها الزيد عاملة في القطاع الصحي، ومن خلال خبرتها، وجدت أن "الممرضة المتزوجة تسعى دوماً للعمل في المركز الصحي بأي وسيلة، بدلاً عن المستشفى"، مشيرة أن غالبيتهن يطلبن العمل في المراكز لأن "ساعات الدوام تكون صباحية، ولا يوجد مناوبات مسائية أو ليلية"، مؤكدة أن الممرضة قد تعمل في المستشفى لعدة سنوات دون مشاكل، وبمجرد ارتباطها بزوج، فإنها تتقدم بخطابات النقل من المستشفى إلى مركز صحي، وتكتب غالبيتهن في الخطابات "مستقبلاً سأكون أما وأرغب في النقل"، حيث تقوم بالإعداد للنقل حتى قبل إنجاب الأبناء. مشيرة إلى أن "هناك خطابات تكتب فيها الممرضة أن أسرتها عرضة للانهيار والتفكك الأسري، وبأن زوجها يهددها بالطلاق"، موضحة أن ورقة الطلاق، هي "وسيلة ضغط في العادة على الممرضة، حتى ترضخ لطلبات الزوج". الزيد أوضحت أن طلبات النقل "تسببت في تكدس الممرضات في المراكز الصحية، ووجود عجز في المستشفيات، وهذا لا يخدم مصلحة العمل"، مبينة أنه تم عمل ضوابط لانتقال الممرضة من المستشفى، بحيث تكون الأولوية لمن عملت 10 سنوات وما فوق، في الانتقال للعمل في المركز الصحي.
المناوبات المسائية
عدد ساعات العمل ليست مشكلة بالنسبة للممرضة المتزوجة، كما ترى الزيد، ولكن المشكلة تكمن في المناوبات المسائية، منذ 3 عصراً وحتى 11 مساءً، كما الليلية من 11 مساء وحتى 7 صباحاً. كذلك التعيين في القرى والمدن النائية، الأمر الذي يتطلب وقتاً آخر للوصول إلى من مقر العمل إلى المنزل. معتبرة أن "المناوبات الليلية يصعب أن يتم حصرها على المتعاقدات من الأجنبيات، لأن عدد السعوديات الممرضات في ازدياد، ولا يمكن تخصيص الفترة الصباحية للسعوديات، لأنه سيكون هناك تكدس". مؤكدة أن "الاستعانة بالممرض الرجل في المناوبات الليلية غير ممكن، لأنه يستحيل نظاماً أن يدخل الممرض أقسام النساء في المستشفيات، ولا حتى إعطاء الدواء"، في الوقت الذي يمكن للممرضة العمل في قسم الرجال، ولكن بحدود، مثل إعطاء الدواء، ولذلك ولكون الممرضة يمكنها العمل في القسمين، فإن الحاجة للمرأة الممرضة أكبر.
وبينت الزيد أن "هناك حالات فردية يتم فيها إقناع الممرضة وتوجيهها، حيث أنها هي التي رغبت في العمل في التمريض، وينبغي عليها القبول بجميع متطلباته، من حيث العمل 8 ساعات يومياً، ووجود المناوبات الليلية، والتعامل مع الجنس الآخر". وترفض الزيد مسمى "الاختلاط"، حيث تؤكد أن "الممرضة تتعامل مع جميع الشرائح في المجتمع، سواء كان رجلا أو امرأة، وأطفالا وكبار السن".
العمل والأسرة
وعن كيفية توفيق الممرضة بين عملها وحياتها الأسرية قالت شريفة الزيد إن "ذلك يحتاج إلى تهيئة الظروف المناسبة في البيت والعمل"، ومن ناحية العمل تذكر أن "هناك تقصير من وزارة الصحة في توفير حضانات لأطفال الموظفات العاملات في القطاع الصحي، لأن وجود طفل لدى الممرضة مع عدم وجود من يعتني بهذا الطفل، من شأنه أن يسبب ضغطاً على الممرضة، فتكثر أيام الغياب، وطلب الإجازات الاضطرارية، وإجازة رعاية مولود"، كاشفة عن أن نسبة الغياب مرتفعة بين التمريض السعودي.
تقليص ساعات العمل
وعن حيث عدد ساعات العمل، أشارت إلى أهمية عمل دراسة حول تقليص ساعات العمل إذا كان هناك عدد كاف من الكوادر، بحيث تصبح 6 ساعات في 4 مناوبات. ولم تغفل الزيد أهمية الحوافز المادية، بحيث يتم منح بدل خاص يُحتسب في نظام الخدمة المدنية للممرضة التي تعمل في المستشفى "بدل عمل في أقسام التنويم، والأقسام الحرجة والمناوبات"، يختلف عن الممرضة التي تعمل في المراكز الصحية. معتبرة أنه "من غير الإنصاف أن يكون الدخل المادي لممرضة تعمل في المستشفى وبمناوبات ليلية، يساوي دخل ممرضة أخرى تعمل في مركز صحي".
الممرضات في ازدياد
الممرضات في ازدياد، هذا ما أكدته لنا شريفة الزيد، حيث يوجد في المنطقة الشرقية أكثر من 5 آلاف ممرضة، مؤكدة أن العدد في ارتفاع مستمر، ونسبة السعودة تصل إلى 50%. ومع ذلك تؤكد الزيد أن السعودية كغيرها من دول العالم "ما تزال تعاني من عجز في مجال التمريض، خاصة مع ازدياد أعداد المستشفيات والمراكز الصحية".