كم كانت مخيفة تلك النسبة التي طالعتنا بها الإحصاءات الخاصة بخريطة الإسكان في السعودية. أكثر من سبعين بالمئة من السعوديين لا يمتلكون مسكنا. إنها نسبة لا يمكن التوفيق بينها وبين مختلف أطراف وأشكال المعادلات الاقتصادية في السعودية على مستوى الدخل والثراء والإنتاج وحتى عدد السكان الذي لا يعد كبيرا مقارنة بكثير من الدول العربية الأقل دخلا والأكثر سكانا، ومع ذلك فنسبة تملك المواطنين فيها للسكن أعلى بكثير مما لدينا، ولم تحمل السنوات الماضية في عملية التنمية السعودية مشروعا حقيقيا اتجه إلى إيجاد تسوية فعلية لقضية الإسكان في حياة المواطنين أو أدار عملية تسعى لسد هذه الفجوة التنموية الهائلة بين واقع الدولة الثري، وبين غياب واحد من أهم مظاهر الاستقرار في حياة المواطنين وهو الحصول على مسكن.

التجربة السابقة لما كانت تعرف بوزارة الإسكان والأشغال العامة يمكن معرفة نتائج ما قامت به بالنظر إلى مصيرها، حيث تم إلغاؤها في العام 2003 وتحويلها إلى إدارات موزعة في مختلف الجهات، وتم إنشاء هيئة عامة للإسكان، ربما لم تستطع مع حجم التعقيد الذي وصلت إليه قضية الإسكان أن توجد حلولا مستقبلية لها، خاصة أن الهيئة لا تملك كثيرا من الصلاحيات مع اعتماد مشروعاتها وخططها على وزارات أخرى، وكادت الهيئة أن تقع في ذات المسار الذي تحركت فيه الوزارة القديمة.

من الواضح إذن أن مشكلة ما ظلت تحيط بأدوات ووسائل العمل في الوزارة، وفي الهيئة أعطبت كثيرا من طموحات الناس فيما يجب أن تقوم به من دور، في الوقت الذي تحول فيه صندوق التنمية العقاري إلى أبرز مثال في حياة السعوديين على التأخير والانتظار الذي يمتد لسنوات.

ثلاثمئة ألف ريال كانت إجمالي القرض الذي يقدمه الصندوق للمواطنين مع وجود اشتراطات غاية في التعقيد وإجراءات جعلت قوائم الانتظار تمتد لسنوات طويلة، في واحدة من أكثر الحالات التي تظهر مدى المفارقة بين واقع واحتياجات الناس وبين أداء الصندوق كجهة داعمة لم تستطع أن تقدم سياسة تمويلية واعية وإيجابية، إذ يقارب عدد المسجلين في قوائم الانتظار نصف مليون طلب، بعضها تجاوز العشر سنوات، وهو ما دفع بالمواطنين اضطرارا إلى شركات التمويل والبنوك، والتي كبلت حياة المواطنين واستحوذت على نسب عالية من مرتباتهم ولفترات قد تتجاوز العشرين عاما.

أي استقرار يمكن أن يعيشه مواطن تستولي البنوك أو شركات التمويل على حصة عالية من مرتبه لمدة تزيد عن عشرين عاما مقابل الحصول على منزل لا تتجاوز مساحته أربعمئة متر مربع؟

هذه الأزمة بكل مفاصلها كانت حاضرة وبقوة في التوجهات الملكية التنموية، والتي جعلت من حل أزمة الإسكان محورا من محاورها، وحين أصدر خادم الحرمين الشريفين قراره بإنشاء نصف مليون وحدة سكنية موزعة على مختلف مناطق المملكة، وبتكلفة تبلغ مئتين وخمسين مليار ريال، لم يلبث هذا القرار أن دعم بإنشاء وزارة للإسكان، لا لتتولى ذلك المشروع فقط، وإنما لتدير عملية الحل الفعلي لهذه الأزمة التي تعصف بحياة المواطنين. وكان من أبرز القرارات المصاحبة لهذا التوجه، ذلك الدعم الذي حظي به صندوق التنمية العقاري عبر أكثر من قرار ملكي، ورفع قيمة القروض إلى خمسمئة ألف ريال، وقبل ذلك بعام تم إلغاء شرط تملك الأرض عند تقديم طلب القرض، وتلك الحزمة من الإجراءات المتتالية من شأنها أن تساعد وزارة الإسكان الوليدة على تحديد سقف زمني، لا لإنهاء مشكلة الإسكان، وإنما للتخلص أولا من الأخطاء والعوائق التي ظلت تحبط كل المحاولات والجهود الرامية إلى حل أزمة الإسكان.

بعد القرارات الملكية الأخيرة، صرح أحد نواب مديري صندوق التنمية العقاري بأن مدة انتظار طالبي القروض ستتقلص لتصبح من عشر إلى ثمان سنوات، وهذا في الواقع يشير إلى خيبة وليس إلى بشارة، فلقد صدم هذا التصريح كل المواطنين الذي يترقبون أن تسفر القرارات الأخيرة عما يحمل نهاية لانتظارهم الطويل، إلا أن أي قرار مهما كانت إيجابيته حينما سيتم تنفيذه بذات الأدوات الإدارية فسيتحول فورا من بشرى وأمل إلى خيبة وإحباط.

الدكتور شويش المطيري وزير الإسكان الجديد، يمتلك الآن منصبا آخر، فهو رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية العقاري، مما يعني أن تكاملا قائما الآن يمكن من خلاله إدارة رؤية وخطة لتجاوز كل الأخطاء القديمة، ومع وجود مشروع ضخم بحجم نصف مليون وحدة سكنية، ومع تطلع المواطنين لكل هذه الإجراءات في قطاع الإسكان، يفترض أن نكون على موعد مع تقرير شهري على الأقل يضعنا جميعا في قلب الواقع فيما يتعلق بكل التطورات التي يشهدها مشروع الوحدات السكنية، والتي لا يزال يدور حولها الكثير من الأسئلة؛ عن تقسيمها بين المناطق ونسب ومبررات ذلك التقسيم، ومدد التنفيذ المتوقعة والشركات المنفذة، إضافة إلى كل إجراء يهدف إلى إراحة الناس من حياة الانتظار الطويلة في قوائم الصندوق.

من حقنا أن نطمح بأن يتجه المواطن إلى البنك الذي يتعامل معه للحصول على قرض، ثم يتفاهم البنك مع صندوق التنمية أو وزارة الإسكان في طريقة السداد، كما يحدث في بعض دول العالم، لكن لنخفض سقفنا قليلا، ونسأل: ألا تستطيع الوزارة الجديدة أن تطرح سقفا زمنيا للانتظار للحصول على القرض لا يزيد عن عام واحد، يتم فيه صرف كامل القرض؟

هل يبدو هذا السؤال خياليا؟