أثبتت مواجهة الأخضر الودية مع إسبانيا أن أداء اللاعب ـ أي لاعب ـ يرتقي صعوداً حينما يكون الخصم أكثر قوة، وأحسن إعداداً وتحضيراً. أمام إسبانيا الخصم القوي، حامل لقب بطولة أمم أوروبا الأخيرة، وثاني تصنيف العالم، والمرشح الجدي والقوي للفوز بكأس العالم المقبلة، كان نجوم الأخضر في قمة التركيز، وفي قمة الحماسة، فوقف أسامة هوساوي سداً منيعاً على الرغم من بعض الهفوات، وأربك نايف هزازي خبرة بويول ورفاقه في خط الظهر، واستحق سلطان النمري شهادة التقدير في أداء الأدوار المتعددة التي أسندت إليه، وكانت تحركات الأخوين أحمد وعبده عطيف خالية من الرهبة وعلى قدر المناسبة، وحتى مع اندفاع مبالغ فيه بعض الشيء لعبدالله الشهيل إلا أنه شكل حضوراً لا يمكن تجاهله. وفي وقت أثيرت فيه ملاحظات عدة على توقيت معسكر الأخضر الذي لا تبدو أمامه أي استحقاقات رسمية قريبة، إلا أن مواجهة أول من أمس أمام إسبانيا بما أفرزته من ثقة، وما عكسته من مستوى جيد، وما تركته من أثر إيجابي على خبرة اللاعبين، يمكن أن تكون مبرراً مقنعاً يرد على المنتقدين، ويشجع على خطوات مماثلة، شرط أن ترتقي الوديات في أي مرحلة إعداد مقبلة إلى مستوى مواجهة منتخبات من عيار إسبانيا ونيجيريا وغيرهما، حتى وإن كانت مواجهة نيجيريا مثلاً جاءت عقب أربعة تدريبات فقط لهذا الأخير، طالما أنها ستكسر حاجز الرهبة، وتضع اللاعب السعودي تحت أنظار الآخرين، وطالما أنها قد تفتح له أبواباً للعبور إلى تجارب احترافية خارجية ما زالت حتى الآن العقدة والعقبة الأبرز في طريق تطور أكثر وأوضح للكرة السعودية.
في مرات كثيرة تحدثنا عن فجوة تتسع شيئاً فشيئاً بين الكرة السعودية ونظيرتها العالمية، وحذرنا من الاستسلام لهذه الفجوة دون معالجات جدية، واليوم نرى أن وديات على مستوى ودية إسبانيا، وربما بعدها ومثلها مع منتخبات الصف الأول أو الثاني عالمياً ستسهم حتماً في تقليص الفجوة، وتقرب بين الكرة السعودية حتى لو على مستوى المنتخب الأول وبين المنتخبات ذات الإرث والتقاليد والحضور العالمي، ولذا فإن البحث عن مثل هذه الوديات يجب أن يكون ديدناً للاتحاد ولأجهزة المنتخب، خصوصاً مع القناعة التي تكرست جماهيرياً وإعلامياً أن الخسارة أمام هذه المنتخبات تبقى مقبولة طالما أن الفائدة تتخطى حسابات الفوز والهزيمة.