الفن لدينا مثل زواج المسيار ليس له من مهمة سوى الإمتاع، نقابله بحب في خلواتنا ونؤثث به أوجاعنا، ونقابله بتشنج واحتقار في حوارات العلن، هذه الازدواجية جعلت الفنان قوي الحال قليل الوعي والحيلة، متصلا مع فنه والمال، ومنفصلا عن المجتمع.
في المجتمعات المتقدمة تجد الفن وأهله عنوانا ضخما لكتاب اسمه خدمة المجتمع واستثمار الشعبية للشعب نفسه.. إذا حصلت كارثة طبيعية عاثت في رقاب الناس ومصالحهم تجد الفنان من تلقاء نفسه يهب بموهبته حفلا ضخما سواء كان معرض رسم أو محاضرة أو غناء أو مسرحا، ويذهب ريعه لصالح المتضررين.
على سبيل المثال، للتعب والعتب حصلت لجدة كارثتان طبيعيتان تضرر منهما الكثير من الناس، لم يقم بواجبه تجاهها ابنها الأثيري فنان كل العرب محمد عبده الذي لم تخذله، وخذلها هو.. لم يتبن وهو القادر إقامة حفل جماهيري لجدة، ويتبرع بريع هذا الحفل لأسر الشهداء أو لتأثيث بيوت الفقراء المتضررين بالتعاون مع مجموعة متطوعة محترفة.
للأسف، محمد عبده يؤكد أنه الفنان، أي فنان، يزيد في ازدواجية النظرة المجتمعية، وازدواجية مفهومه للفن، وتقديم مهمته كمهمة صالحة تتفاعل مع مجتمعها.
لدينا مفهوم سقيم، وهو أن النوازل إذا حلت بالأرض والناس فإن الرؤوس تتجه بأبصارها إلى الدولة، مع أن الدولة في المجتمع المتقدم لا تقوم بكل شيء ولا ينتظر منها كل شيء.
الناس "الغلابة" لن "تستحرم" مالا يأتي من فنان، والفنان الحقيقي لن "يستحرم" فنه مجانا يأخذ مقابله من الميسورين للمعوزين كرد للجميل.
المصيبة، حين تسمع الفنان السعودي وهو يتكلم في برنامج عن كفاحه، تجده يتكلم بزهو معيداً كل شيء لعصاميته وموهبته وذكائه متناسيا أن فنه ونعيمه لولا الناس لا شيء.. الناس التي جعلت منه رمزا في كل شيء.
المضحك غير المبكي، أن بعضا من نجومنا كانوا وما زالوا سفراء للنوايا الحسنة للأمم المتحدة، يبحثون عن الجياع بنيجيريا، بينما عشوائيات جدة بجوارهم، ولكن من قال إن النوايا الحسنة وحدها تنتج عملا حسنا.