تلفتّ عن يميني وشمالي لأتأكد من أن ابني المراهق، وابنتي ذات السنوات العشر، لا يشاهدان "الكليب" الصارخ الذي فاجأني ذات استعراض للقنوات الفضائية بحثاً عن مفيد أو غير مفيد..
فنانة تغنّي لحنا ذا إيقاعات عالية، وتبدي أكثر مما تخفي بكثير..
ليت الفعل يقف عند هذا الملبس الذي بات "عاديا"، وربما لم يعد مثيرا، لكثرة المتسكعات في شوارع الجسد الفضائي؛ ليته يقف عند فستان قصير من أعلاه وأسفله، لكنه يتجاوزه إلى حركات جسدية خادشة لم أشاهد أي "عالمة" تفعلها من قبل.
ليس هذا كل شيء، بل إن كلمات الأغنية التي كانت تؤديها مغرقة في الرقي والتسامي و"الحياء"، إلى حدود خجل المشاهد الكبير.. وحدود خجلي من كتابة أيّ من ألفاظها هنا، فضلا عن كتابة جملة أو مقطع؛ فالكلمات كانت إيحاءات لغوية هابطة، ومعها تتآزر الحركات، و"الديكور" والألوان، حتى يصير المشهد "حياءً" خالصا من شوائب الحياء كلها..
في آخر "الكليب" يظهر "التتر"؛ فكرة: بوسي سمير.. أها... هي الفاعلة بإرادة كاملة، ولم يجبرها مخرج أو منتج كما تقول الأخريات أحياناً..
سألت الشيخ google عن هذه البوسي سمير، فأجابني بأكثر من 150 ألف نتيجة، وأضاف لي مقاطع لا أحصيها من "كليبات" هذه الفنانة، وكل "كليب" يقول لأخيه: "دع عنك لومي..".
على "اليوتيوب"، شاهدت معها غيرَ حوار، وكانت ـ في كل حوار ـ تطفو إلى السطح كأنها بيضة فاسدة، حتى إن المشاهد يريح ذهنه تلقائيا من التفكير في دحض حججها "القوية"، ليتفرغ للدهشة والضحك والاستغراب والتعجب..
شعرت وأنا أتابع حوارها في برنامج "صبايا" بأنها طلبت من المذيعة أن تسألها الأسئلة التي يُحرج منها أقل الناس حياءً، إلا أنها لم تشعر بالدرجة الدنيا من الحرج، وراحت تبرر "عمايلها الفنية" تبريرات أوهى من حجة نحويّ، وما أقوى حجة أغبى النّحاة أمام حجج بوسي سمير.
أتساءل: هل يكون المال دافعا إلى التغافل عما هو أهم منه بكثير؟ أم أنها الرغبة في الشهرة السريعة؟ أم أن هناك خللا سيكولوجيا يقود إلى اقتراف المرفوض بالإجماع؟
وأتساءل: ما ذنب آباءٍ وأمهات يريدون تربية أبنائهم على الحرية في اتخاذ القرار، والثقة بالنفس، والانطلاق، وعدم الانغلاق، فيصدمون بنماذج تجعلهم يختارون النكوص إلى الحجب والمنع والرقابة والزجر؟
أهكذا تعاقبنا الحرية على اختيارنا إياها؟