على ناصية الشارع العام، تصادف وجودي مع تواجد مجموعة من أبناء هذا الوطن الكريم وهم يحتفلون أمام مكتب إحدى شركات السيارات بقرار المالك الذي جاء طازجاً للتو بمنحهم راتبي شهرين ومواكبة القرار الملكي في الحد الأدنى للراتب الشهري. وتحت طلبهم العفوي الملح، أنقل مشاعرهم، مع إيماني أن هذه أبسط الحقوق وأن الأحق أيضاً أن نحاسب بقية المتخاذلين من القطاع الخاص وفي الخصوص تلك الشركات المشمولة بمناقصات أو عقود أو قروض من الجهاز الحكومي، وليسأل كل القطاع الخاص نفسه: كيف استفاد هذا القطاع من هذا القرار الملكي بصرف راتبي شهرين وخصوصاً في الأسبوع الأخير الذي تبارت فيه الأجهزة المختلفة من القطاعين الحكومي والخاص في الإسراع بتنفيذ هذا الأمر الملكي؟ اسألوا الأسواق التي تعيش هذا الأسبوع قمة الغليان وهي تستقبل هذه المليارات دفعة واحدة.

وبودي أن يدرك القطاع الخاص أن الموظف السعودي قد استقبل هذا الأسبوع وحده ربع دخله السنوي على شكل ثلاثة رواتب بكل ما لهذا من تعزيز للثقافة الاستهلاكية. والمعادلة الاقتصادية تبرهن أن – ابن البلد – يصرف في البلد، وهنا يبرز الوجه المقابل للمعادلة: تبلغ تحويلات الإخوة الوافدين ما يناهز المئة مليار ريال في العام الواحد ونحن فقط نتحدث عن التحويلات القانونية الرسمية. تخيلوا لو استطاع القطاع الخاص أن يستوعب ضمان تدوير مجرد ثلث هذا المبلغ ضمن ثقافتنا الاستهلاكية مثلما كان لثلاثة رواتب في مجرد أسبوع، وطبعاً هذا لن يحدث إلا إذا استوعب هذا القطاع الخاص أن – السعودة – إثراء وثروة وليست ضريبة. إن السعودة تدوير محلي لمليارات الريالات وإن الفروق ما بين الموظفين المحلي والأجنبي في الرواتب ستعود إليه مضاعفة، لأنها ستسهم في بناء أقوى المعادلات التي يتمناها السوق: تعزيز الثقافة الاستهلاكية. وحتى يدرك هذا القطاع سلامة هذه المعادلة وأنه الرابح الوحيد من مثل هذه القرارات أجيبوني: أين ذهبت هذه الرواتب وكيف صرفتم ما يوازي ربع دخلكم السنوي في ظرف أسبوع؟ تصوروا لو أننا استطعنا – تدوير – ثلاثين ملياراً من حجم تحويلات العمالة إلى يد – السعودة – وأين ستذهب هذه المليارات العشرية؟