في هذه الأيام العصيبة التي تعيشها الشعوب العربية، تتفاقم قضايا "الشمّ" ودعاوى "الهلوسة" وخلط "الأوراق"، لتزداد حيرتنا من نوايا القريب ووعود البعيد وتقلب القلوب وغياب الإرشاد.

دول مجلس التعاون الخليجي التي توقعت انتشار هذه الفوضى قبل ربع قرن، اتخذت في عام 1982 قراراً جماعياً بتأسيس قوات درع الجزيرة من القوات العسكرية المشتركة لهذه الدول، لتكون مهمتها حماية أمنها من أي عدوان. وفي عام 2000 أبرمت دول المجلس معاهدة الدفاع المشترك، كما وافقت في عام 2001 على تشكيل المجلس الأعلى للدفاع وتكليفه بوضع المعاهدة موضع التنفيذ.

كأي دولة تفقد "الإرشاد"، تتورط "إيران" مرةً تلو الأخرى بأقوالها وأفعالها لتثبت بأنها ومرشدها في أمس الحاجة للإرشاد. في الأسبوع الماضي أخفق "مرشد" إيران في قراءة المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي التي تنص على: "تعتبر الدول الأعضاء أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعا".

كما أخفق "مرشد" إيران في استيعاب المادة الثالثة من الاتفاقية التي تؤكد على: "عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، تلتزم الدول الأعضاء بالمبادرة فوراً إلى مساعدة الدولة أو الدول المعتدى عليها ضمن دول مجلس التعاون باتخاذ أي إجراء ضروري بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لرد الاعتداء وإعادة الشرعية والأمن والسلام إلى نصابها وتخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بوقوع الاعتداء والإجراءات التي اتخذت".

في مساء يوم الجمعة الماضي أعربت السعودية عن بالغ استنكارها واستهجانها للتصريحات التي صدرت مؤخراً عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي الايراني والذي: "حذر السعودية من مغبة اللعب بالنار في منطقة الخليج ومطالبتها بسحب قواتها من البحرين".

أوضحت السعودية أن: "البيان تجاهل عن سابق إرادة وتصميم حقائق التدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة وانتهاك سيادتها واستقلالها، ومحاولات إثارة الفتن والقلاقل على أراضيها، في سياسات عدوانية تضرب عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية ومبادئ حسن الجوار، وآخرها التدخل الإيراني السافر في دولة الكويت الشقيقة بشبكة تآمرية مرتبطة بعناصر رسمية إيرانية".

وأضافت السعودية: "أن مروجي هذه الأكاذيب نسوا أو تناسوا عمداً أنه ليس من حق إيران انتهاك سيادة مملكة البحرين أو إقحام أنفها في شؤونها أو شؤون أي دولة خليجية أو محاولة مصادرة حق البحرين المشروع في الاستعانة بقوات درع الجزيرة الخليجية، التي تكفلها لها اتفاقات دول مجلس التعاون وتمنحها الحق في الاستعانة بقوات درع الجزيرة مثلها مثل بقية دول المجلس الأخرى، وذلك لحفظ الأمن والسلام وحماية الشعب البحريني ومكتسباته".

خلال الحرب العالمية الأولى، ورغم بقاء "إيران" على الحياد نظرياً إلا أنها كانت ساحةً مستباحة لكل القوى المتحاربة. في نهاية الحرب تدهورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في "إيران" إلى حد الفوضى الشاملة، مما أدى إلى وقوع انقلاب عسكري في عام 1921 بقيادة "رضا خان" وزير الحربية، الذي أصبح رئيساً للوزراء في عام 1923، وتوج نفسه شاهاً في عام 1925، ليحل بذلك محل أسرة "الكاجار" التي حكمت "إيران" منذ نهاية القرن الثامن عشر.

وعلى الرغم من أن الأصول العرقية الإيرانية تتوزع على 51% فارسي، و24% آزيري، و8% مازاندراعي، و3% عربي، و7% كردي، و4% بلوشي، و3 تركي، فإن المذاهب تنقسم إلى 87% مسلم شيعي، و10% مسلم سني، والباقي من اليهود والنصرانية والبهائية. الحكومة المركزية في الدولة الإيرانية، التي قويت شوكتها، أرغمت أقلياتها بالقهر، لتنفرد النزعة الإمبراطورية الإيرانية التوسعية وتصبح عرضة للتفكك الداخلي والنزاعات بين العنصر الفارسي وباقي الأقليات في المجتمع الإيراني. وأدى ذلك في النهاية إلى الثورة الإيرانية الإسلامية والإطاحة بالشاه في يناير 1979.

لاحظ المحللون السياسيون أن الثورة الإيرانية التي شكلت تغيراً أساسياً في النظام السياسي الإيراني، لم تؤد إلى تغيير كبير في الطابع الإمبراطوري للتكوين القومي الإيراني، وسيطرت على سياساتها الخارجية أيديولوجية "تصدير الثورة".

المحلل السياسي الروسي "يفغيني ساتانوفسكي" أدلى في مقابلة أجرتها معه قناة "روسيا اليوم" برؤيته للوضع العربي الإسرائيلي، حيث قال آسفاً: "إن الحروب الأخيرة في غزة ولبنان ليست حروباً عربية إسرائيلية، بل هي حروب إيرانية إسرائيلية بأيدٍ عربية تزهق حياتهم". ووصف المحلل "إيران" بأنها "إمبراطورية قومية فارسية جديدة".

منذ بداية السبعينات أخذت إيران على عاتقها تدعيم موقفها في الخليج العربي، حيث قامت في 30 نوفمبر 1971 باحتلال جزر "طنب الكبرى" و"الصغرى" و"أبو موسى" وتمكنت بذلك من مراقبة مدخل المحيط الهندي إلى الخليج العربي وزيادة نفوذها في مضيق "هرمز".

نظراً لضياع فلسفة "الإرشاد"، لم يفاجأ العالم في العام الماضي بالمظاهرات الشعبية العارمة التي اجتاحت طهران وفاق عدد المشاركين فيها 3 ملايين نسمة واستمرت لمدة أسبوع كامل، واستمر بعدها الخروج إلى الشارع على مدى الأشهر المنصرمة.

كانت هذه المظاهرات احتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية. وعلى عكس تدخل "المرشد" الإيراني في دول الخليج العربية، قابلت الحكومة الإيرانية هذه المظاهرات بالعنف الذي أدى لمقتل العشرات من طلاب الجامعات التي أغلقت أبوابها. وبعد توعد "مرشد" الثورة الإيرانية المحتجين في خطبة الجمعة خرجت مظاهرات يوم السبت الشهيرة التي قتل فيها 7 أشخاص واعتقال أكثر من 450 شخصا حسب المصادر الرسمية الإيرانية. مرشد "إيران" في أمس الحاجة للإرشاد.