خلال هذا الأسبوع، قامت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لمجلس الشورى الإيراني بشن حملة على المملكة العربية السعودية على خلفية مناقشة الوضع في مملكة البحرين، ووصفت السياسة السعودية بأنها "لعب بالنار" وطالبتها بسحب قواتها من البحرين (أي قوات درع الجزيرة).

ويرى القارئ في مضامين هذه التصريحات أن بعض القوى في إيران قد نصبت نفسها وصياً على المنطقة، وأنها لا تعترف حقيقةً بمجلس التعاون، الذي يسميه الإيرانيون مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي، ولا تعتد بنظام مجلس التعاون وما يتطلبه من تضامن وتكامل وتكافل بين أعضائه في جميع القضايا، وذلك في حقيقة الأمر هو الهدف الرئيسي من إنشاء المجلس، وتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية تترجم هذا الهدف إلى واقع فعلي. ومع ذلك، تعتبر هذه اللجنة الإيرانية تواجد درع الجزيرة في البحرين تدخلاً خارجياً، في حين تعطي الحق لإيران بالتدخل في شؤون البحرين.

ومن المفارقات أن هذه التصريحات أتت في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه دولة الكويت عن طرد عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين عقب صدور الحكم في قضايا التجسس التي تم كشفها في الكويت، إذ تم ضبط ثماني خلايا قامت بالتجسس لصالح إيران.

والمفارقات كثيرة في نظرة هذه القوى في إيران لأحداث المنطقة، فهي تدعي أحياناً التحرك باسم حماية ودعم الطوائف والمجموعات العرقية المضطهدة في الدول المجاورة، ولكن النظام الإيراني نفسه لا يعطي الأقليات داخل إيران حقوقها المشروعة، ويتعرض بعض أعضائها للاضطهاد المنظم. وبالمثل، تناصر الأجهزة الإعلامية الرسمية في إيران حركات الاحتجاج في العالم العربي، ولكن النظام الإيراني يقمع حركات الاحتجاج السلمية في إيران باستخدام القوة المفرطة، ويلاحق المعارضين ويضيق الخناق عليهم. ولعل أكبر المفارقات أن النظام الإيراني يتهم القوى الأخرى بالتدخل في شؤون المنطقة، في حين أن أذرع النظام الإيراني، بأجهزته الرسمية أو غير الرسمية، ممتدة في كل دولة من دول الجوار تقريباً، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. وإن لم يتدخل بالسلاح في وضح النهار، فإنه يتدخل سياسياً وإعلامياً ودينياً ومالياً.

وفي أنحاء المنطقة المختلفة، نرى النظام الإيراني، والمؤسسات الإيرانية المرتبطة بالنظام، وهم يسعون إلى تحقيق مكاسب على حساب دول المنطقة الأخرى، ومحاولة الاستفادة من كل فرصة لتعزيز نفوذهم، وإن لم يجدوا فرصة خلقوا فرصة جديدة وفاقموها. وقد شجع هذه القوى النجاح الذي حققته في العراق ولبنان للسعي إلى تحقيق مكاسب مشابهة في دول الجزيرة العربية، في اليمن أولاً ثم في الكويت والبحرين.

ولعل أخطر ما تقوم به القوى المتشددة في إيران هو إذكاء النعرات الطائفية في دول الجوار، وتشجيعها واستغلالها. فمن كان في هذه المنطقة يفكر، قبل عقد واحد فقط من الزمن، في الانتماء الطائفي كبُعد سياسي، إلا في الحالة الخاصة التي هي لبنان؟

ومن الواضح أن هذا التحرك الإيراني على خطوط التماس الطائفي له هدف سياسي هو نشر نفوذ النظام الإيراني من جهة، ودعمه في المواجهة مع الغرب من جهة أخرى.

سمعتُ في إحدى زياراتي إلى روسيا بعض المحللين المتعاطفين مع النظام الإيراني يقولون إن هذه التحركات الإيرانية في المنطقة هي مجرد محاولة من النظام الإيراني لفك طوق العزلة عنه، والحصول على نقاط قوة يقايض الغرب عليها. ووفقاً لهذا التحليل، فإنه حالما تحل إيران مشكلتها مع الغرب حول برنامجها النووي، فإنها سوف تنسحب من كل المناطق التي تثير فيها القلاقل اليوم، أي أن برنامج إيران النووي هو الهدف، والهيمنة الإقليمية هي الوسيلة التي يتبعها النظام للحفاظ على هذا البرنامج. لكن هذا التحليل يعتمد على منطق معكوس، فالأقرب للصحة، وهو ما تدعمه الشواهد أيضاً، أن هدف النظام الإيراني هو الهيمنة الإقليمية على جيرانه، والهيمنة السياسية على خصومه في الداخل، ووسائله في هذه المعركة هي نجاح البرنامج النووي، تطوير الأسلحة الباليستية، الأسلحة التقليدية، والمال، التبشير بالثورة والتغيير، وأخيراً الورقة الطائفية.

وبصرف النظر عن الدوافع الحقيقية للتصرفات الإيرانية، فإن ضرر التناحر الطائفي الذي أذكته قوى التشدد في إيران، على وجه الخصوص، لن يقف عند تحقيق المكاسب السياسية الآنية للنظام الإيراني فقط، بل ستكون له أبعاده الذاتية طويلة الأمد، وسيصل تأثيره إلى إضعاف الأمة الإسلامية وزرع الفرقة في صفوف أبنائها، وتفتيت الوحدة الوطنية في كل دولة إسلامية، لأن معظم الدول الإسلامية تقطنها أقليات مذهبية ودينية وعرقية. وإثارة النعرات بينها خطر وجودي يؤدي إلى أضرار أعمق على المدى البعيد من المكاسب الوقتية الزائلة للسياسة الإيرانية، سواء تحققت أم لم تتحقق.

الخوف كل الخوف هو أن هذه الفرقة التي يزرعها النظام الإيراني الحالي بين ضفتي الخليج، اللتين يجمعهما تاريخ ضارب في القدم وموروث حضاري مشترك، قد تتعمق ما لم يكن هناك تغيير جذري في المواقف الإيرانية، بل إن العلاقات العربية الإيرانية العريقة قد تصبح ضحية للمصالح الوقتية للنظام المحاصر في طهران.