نشرت مؤسسة "كارنيجي" للسلام الدولي دراسة في شهر يونيو المنصرم حول متطلبات قيام الدولة الفلسطينية وإمكانية قيامها في الظروف الراهنة. وقد بيَّنت الدراسة أن نجاح المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية يتطلب وجود قيادة فلسطينية تتمتع بالتأييد الكافي في كل من الضفة الغربية وغزة. ومن ناحية ثانية فإن بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية مطلب هام أيضاً كان يفترض أن يتم منذ فترة طويلة. هذان الهدفان يتطلبان استعادة الدورة السليمة للسياسة الداخلية الفلسطينية التي فقدت توازنها منذ الانقسام الذي ازداد في 2007 بين منظمة فتح وحركة حماس. وقد عملت سياسة الولايات المتحدة منذ فترة لا بأس بها – سواء بشكل مباشر أو غير مباشر- على إجهاض أي توافق فلسطيني داخلي لاعتقاد البيت الأبيض في أحيان كثيرة أن توقيع اتفاقية سلام هي في متناول اليد. وتؤكد دراسة كارنيجي أنه آن للولايات المتحدة أن تنتهج سياسة جديدة تقبل بالتوافق الفلسطيني على أنه ضرورة وأن تطوير المؤسسات الفلسطينية –خاصة المؤسسات التشريعية- يمكن أن يكون قاعدة لقيام الدولة.

فعلى الرغم من مرور أكثر من 15 سنة على اتفاقيات أوسلو، والتي وضعت الأساس لحل الدولتين، لم يتم التوصل إلى اتفاقية سلام بعد. وكانت القوة في أيام ياسر عرفات، الذي استمر عهده حتى عام 2004، تتركز في يد السُلطة التنفيذية، الأمر الذي أخر بناء مؤسسات فلسطينية ديموقراطية حقيقية. وقد أجرى الفلسطينيون انتخابات تشريعية آخر مرة عام 2006، حيث فازت حركة حماس بأغلبية المقاعد البرلمانية. منذ ذلك الوقت تعرضت السُلطة الفلسطينية للشلل بسبب الانقسام بين حماس، التي تسيطر على قطاع غزة، وفتح، التي تسيطر على الضفة الغربية. ومع أنه ظهر بعض التحسُّن والتطوُّر في بعض جوانب الأداء الأمني لدى السُلطة الفلسطينية، فإن مؤسسات السُلطة انهارت بشكل عام، خاصة المجلس التشريعي الفلسطيني. كما أن تساؤلات بدأت تبرز حول مدى شرعية الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته، وذلك بحسب دراسة كارنيجي.

وقد خلِصت الدراسة إلى تقديم جملة من التوصيات لصانعي السياسة الخارجية الأمريكية من بينها:

- على صانعي القرار السياسي الأمريكي أن يسعوا إلى وضع خطة لقيام دولة قابلة للحياة بالإضافة إلى متابعة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. فالولايات المتحدة ركَّزت حتى الآن على الوصول إلى اتفاقية سلام عبر مباحثات فلسطينية-إسرائيلية على حساب تشجيع بناء وتطوير مؤسسات فلسطينية تمثيلية فاعلة. على الولايات المتحدة أن تستمر في تشجيع المفاوضات، لكن عليها في نفس الوقت أن تعمل على تشجيع بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية بشكل جدِّي.

-على صانعي القرار السياسي في الولايات المتحدة تأييد عودة الحياة السياسية الفلسطينية إلى دورتها الطبيعية. لقد عملت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على السيطرة والتحكم في مسار السياسة الداخلية الفلسطينية وعلى تحديد خيارات القيادة الفلسطينية. لا يمكن أن تنجح عملية اتخاذ القرارات وبناء المؤسسات إلا إذا عادت الحياة السياسية الديموقراطية الفلسطينية إلى طبيعتها. لذلك فإن على الولايات المتحدة أن تؤيد علناً وبشكل واضح إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية بمشاركة جميع الأطراف الفلسطينية دون استثناء.

-كذلك فإن على صانعي القرار السياسي الأمريكي أن يؤيدوا المصالحة الفلسطينية ويفتحوا الطريق أمامها. الانقسام بين فتح وحماس يؤذي الفلسطينيين ويشل الحركة السياسية الداخلية. ومع أن الولايات المتحدة يجب ألا تتواصل مع حركة حماس بشكل مباشر إلا بعد تخليها عن الإرهاب بشكل واضح، فإن الوقت قد حان لإزالة العقبات أمام المصالحة الداخلية بين الفصائل الفلسطينية وإلغاء الذرائع التي يتم تقديمها لتجنب إتمام هذه المصالحة بإعطاء إشارة واضحة بأن المجتمع الدولي سيقبل بأي اتفاق يسمح للفلسطينيين بالتحرك نحو الأمام حتى لو لم تتحقق مبادئ الرباعية، طالما أن حكومة الوحدة الفلسطينية ستكون مستعدة للتفاوض مع إسرائيل وتحافظ على التعاون الأمني.