ترى، هل يلعب الزمن دورا في تجميل ماضينا؟ وهل توقظ الأشياء القديمة ـ سواء كانت حلوة أو مرة ـ الأشواق كي تعود أعمارنا للخلف؟ وهل تحلو أيامنا بالتقادم؟ بالتأكيد أن الإجابة على هذه التساؤلات ستكون "نعم"، وإلا لما عرف الحنين طريقاً لقواميس حياتنا، حتى المعاناة تستحيل حكايات نرويها على سبيل التندر كلما اتسعت بيننا وبينها مسافات الزمن.
إن أي محاولة للمقارنة الوجدانية بين جمال عصرنا الحاضر، وبين الماضي، هي مقارنة خاسرة وغير عادلة، وستصب طبعاً في مصلحة الأخير، وخصوصا حينما يكون الحديث عن الفن، وتتجسد هذه العلاقة ـ التي تغرينا بالعودة إلى الوراء ـ في الكثير من العبارات التي تطلق على العصر الذي عاش فيه عبدالحليم حافظ، وأم كلثوم، وغيرهما ممن جايلهما من الفنانين، مما رسخ فينا تلك العلاقة الطردية الرابطة بين الماضي وجمال الفن، منها "زمان يا فن"، و"زمن الفن الجميل"، و"قديمك نديمك"، وأسست في أعماقنا قناعة كاليقين بأن الفن الراقي متعلق بالقديم، والمبتذل ملازم للجديد.
صحيح أن فناني "الزمن الجميل" كانوا أكثر إخلاصا لفنهم، ووجدوا في الوقت ذاته جمهورا أكثر تفرغاً للإنصات لهم والحديث عنهم، ونقادا يجيدون تبجيل أعمالهم، بعكس ما يتعرض له الفنانون الحقيقيون في عصر السرعة والفضائيات والإنترنت، حيث اختلط الجيد بالرديء، ولم يعد الفنان الحقيقي يحظى بأي إنصاف في ظل هذا الانفجار الفضائي الذي شتت آذان المستمعين، وحيّر ذائقتهم.
كثيرة هي الأصوات الجميلة التي ظهرت في هذا الزمن، ولو ظهرت أيام "الزمن الجميل" لكان لها شأن آخر واهتمام أكبر، فمطربون كفضل شاكر، وصابر الرباعي، وأنغام، وشيرين عبدالوهاب، وحتى نانسي عجرم التي كانت مدهشة حينما أدت "مستنياك"، يستحقون الإشادة بأصواتهم وقدراتهم الأدائية.
أسماء كثيرة تملك خامات صوتية رائعة، ظلمها الزمن الذي جاءت فيه، ولو ظهرت في "الزمن الجميل" لما سمعنا بميادة الحناوي ولا بأسمهان أو حتى ليلى مراد