حسنا، بعيداً أيها الناقد الثقافي الدكتور عبدالله الغذامي عما تخيلته، وقدمته على أنه الحقيقة، دعني أعد عليك بعض التساؤلات التي أبحث عن صدقها لديك، والتي أثارتها لدي مداخلة رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالمحسن القحطاني الذي صورته بما لا يحسن لمثله من مثلك، وبما يبرأ منه خلق، وعلم، وجهد القحطاني، وذاك شأنك، ولكنه أشار إلى الجمعية العمومية التي عقدت في بدء التشكيل لاختيار أعضاء مجلس إدارة نادي جدة الأدبي، وهي الجمعية التي اختارتك وزملاءك، فمن شارك فيها؟ وكيف كان الانتخاب؟ ثم هل فعلا بقيت نائباً لرئيس نادي جدة الأدبي أكثر من عشر سنوات؟. هل يعقل هذا يا دكتور عبدالله؟!. لم يا سيدي لم يكن احتجاجك ومقاطعتك للأندية منذ ذلك الزمن؟!. أليست اللائحة تنص على أربع سنوات؟، فلم ازددت ستا من عندك؟. ليتك يا دكتور عبدالله أعلنت المقاطعة، بل الاستقالة بعد أربع سنوات فقط، كنت ستكتسب حينها مصداقية، لا تقل عن مصداقية الدكتور محمد الربيع، الذي قدم استقالته بعد أربع سنوات من رئاسة نادي الرياض الأدبي، بهدوء وبعيداً عن أي ضجيج إعلامي. ثم دعني أتساءل عن المحك الحقيقي للتعددية التي تنادي بها، والعمل المؤسسي الذي تؤمن به وأنت تورد في الحلقة (حلقة من برنامج يقدمه عبدالعزيز قاسم على قناة دليل) أن الدكتور القحطاني لم يكن معروفاً، و"نحن" (تقصد مجلس إدارتكم المنتخب) تداولنا ووضعناه لينضم إلينا، ثم وصفك له بعد ذلك بصفات غريبة!. ألا تجد أن مجلسكم الموقر كان ذا تعددية قمعية، حين تجاوز الجمعية التي تقول أنت: إنها اختارتكم؟، ثم ألا تجد أن مجلسكم - آنذاك - صورة مكررة من الوزارة، التي تقول عنها: إنها تعين كائنات ممسوخة عنها، فهل كنتم أنتم تعينون معكم كائنات ممسوخة عنكم، بدليل أنك الآن تهاجم القحطاني؛ لأنه فيما يبدو لم يكن ممسوخا عنكم، ولذا اعترض عليكم، ولم يسر في ركابكم؟!، إلاّ أن يكون من مجلسكم الموقر من ينفي ذلك! وهو المجلس الذي ألغيته تماما في حديثك، حين قلت عن الشيباني مانصه: "الشيباني أنا أتيتُ به ثلاث مرات"، فهل تقصد "بتاء" المتكلم، "نون الجماعة" التي تعود تارة أخرى على مجلسكم المنتخب؟!، وتلك لغة جديدة، أدهى من لغة: "أكلوني البراغيث"!.
ثم إنك ترى أن كرسي أبي مدين لا يملؤه أحد، وهو قول أكدته إشارتك برأسك موافقا للدكتورة فاطمة إلياس التي تمنت أيضا لو بقي أبو مدين في الرئاسة للأبد!، ومرة أخرى أحيي هذه الرغبة، التي إن راقت لك، فهي لن تروق للانتخابات والتعددية وإتاحة الفرصة، التي تؤمن أنت بها إنها حكم مسبق أثبت القحطاني وزملاؤه خطأه، وتصور نسقي لا يرينا إلا ما رأى، وتشبث بما لدى الآباء حين يتغنون بزمانهم فحسب!. أية قمعية أكثر دهاء، وظلما من أن نقدس الأشخاص إلى هذا الحد؟.
ثم ألا تتفق معي أن ثناءك على قرار عمل المثقفات الست، ومباركتك الضمنية لقرار تعيينهن مستشارات للقناة الثقافية، وهن من مدينة واحدة فقط! يتعارض مع مبدأ الانتخاب، والتعدد الذي تؤمن به؟، ومع احترامي لهن جميعا، فإن القرار الذي - إن صدر بالفعل - يحتاج منك إلى موقف، لا أقول يتناغم مع موقفك من الانتخابات، بل على الأقل لا يتصادم معه على هذا النحو، حتى لا يأتي من يفسر الموقفين تفسيرا تاريخيا نفعيا، وبخاصة أنك ذكرت في الحلقة أنك قلت حين تعيين إياد مدني: "جاء رجل يفهمنا ونفهمه"، ثم تحول الرجل عندك بعد ذلك - ولأمر ما - إلى وزير ارتكب كارثة أخلاقية! حين ألغى الانتخابات، وهو وصف نابع عن تصور غير صحيح على الأقل بالنسبة لي، وربما لغيري، فلم يلغ إياد مدني الانتخابات، والاستمارة المرسلة للأندية منذ مدة شاهدة أنك جانبت الحقيقة!.
لقد تجلى في الحلقة أنموذج مخيف لبعض تفاصيل مشهدنا الثقافي، لسبب مباشر وهو أن الممارسة الحوارية، والموضوعية كانت تئن باكية شاكية من ممارس حداثي، تنويري كان يُظن به - نظريا - أنه سيكون أقرب إلى النمذجة الحقيقية لدعاوى التعددية، وقبول الرأي الآخر، والاتجاه نحو الحقيقة مهما كانت مرة، بيد أن السؤال المقلق يعود من جديد، لينقعر أمامنا، متسائلا: هل يعاني خطاب التحديث في المملكة من الحدة والإقصاء والتضخم؟ وتأتي الإجابة مرة، نكدة بطعم: "نعم" التي تستحضر خطابي العواد قديما، والغذامي حديثا، وهي مرة أيضا؛ لأنها تضيع، وتموه، وتقمع الحقيقة، بكل ما أوتيت من حسن الخطاب!.
* أكاديمي سعودي