280.000.000 مائتان وثمانون مليون متر مربع من الأراضي تمت استعادتها في مدينة جدة من يد جهات اعتدت واستولت عليها بدون وجه حق، واستطاع بعضهم أن يوصل إليها خدمات الكهرباء والماء وأن يطرحوها للبيع والاستثمار وتم إنشاء بعض المخططات عليها من أجل ذلك، إلا أن لجنة منبثقة من إمارة منطقة مكة المكرمة، وتحظى بمتابعة من أمير المنطقة استطاعت أن تعيد تلك المساحات الهائلة من الأراضي إلى مرجعها لتكون أراضي لمرافق حكومية من مدارس ومستشفيات.
إنها 280 مليون متر مربع، أي ما يعادل مساحة بعض الدول الصغرى في العالم تمت استعادتها في معركة كان يقودها الأمير خالد الفيصل، وهو ما يشير إلى أن جانبا حقيقيا من المعركة التنموية السعودية لا يبدأ من خلال التفكير بأدواتها وإنما في تخليصها أولا من خصومها والمعيقين لها والذين ظلوا لسنوات يمثلون نقطة احتدام بين الناس وبين أجهزة الدولة، إنما، وبكل تأكيد سوف يعيش الناس طمأنينة أكثر حين يعرفون الخصوم الحقيقيين الذين استعاد منهم خالد الفيصل هذه الأراضي.
وهو ما يؤكد أن خالد الفيصل يعيش مواجهة حقيقية ومتشعبة الأطراف وليس مجرد مسؤول عن منطقة يقضي وقته في افتتاح حفل شرفي أو حضور وليمة رتيبة.
كان عام 2007 محوريا جدا بالنسبة للأمير خالد الفيصل، لم يغير فقط خزانة ملابسه التي كانت تضم ثيابا شتوية بسبب الطبيعة الباردة في عسير، ويستبدلها بثياب صيفية خفيفة تناسب مناخ جدة الحار والرطب أغلب أيام السنة، لكن ثمة أمرا آخر أيضا شمله التغيير لدى الأمير الشاعر والمثير في أطروحاته الفكرية والثقافية، وهو طريقة العمل، فإذا كان تحرك في تاريخه أيام عسير من خلال مبدأ الإنشاء وخلق المشروعات فقد أخذ يتحرك في جدة من خلال مبدأ التعديل والإصلاح، بمعنى أنه لن يبدأ العمل، وإنما سيبدأ أولا إعادة تعريف تلك المشروعات وفق ما يلبي طموح ورؤية القيادة.
إن ما تعكسه تجربة الفيصل من نجاح ثقافي استقطب من خلاله أهم وأبرز الفعاليات السياسية والثقافية العربية في حوارات واعية عن التنمية وخدمة الطموحات العربية، وإدراك مدى حيوية النخب الثقافية والنخب الشابة في صناعة صورة واعية عن الطموح العربي، وذلك في مؤسسة الفكر العربي ولقاءاتها التي باتت تشكل أهم الأحداث الثقافية العربية، مما يعني أننا ومنذ عام 2007 في منطقة مكة أمام وعي إداري قادر على إيجاد رؤية إدارية وإعلامية وثقافية في المنطقة.
لكن وضع جدة لم يمهل خالد الفيصل أن يختار معاركه التنموية والوطنية كما يريد،
بل دخل فورا في مواجهة كان لا بد معها من استبدال القلم الأنيق بجرافة حادة الأطراف تزيح ما تبقى من آلام الناس وأحزانهم، كما تزيح ما تراكم من أخطاء في مدينة تعد واجهة حضارية للمملكة.
لم نكن مخطئين ونحن نرفع أصواتنا بسبب ما حدث في جدة للمرة الثانية، ولكننا لم نلاحظ أن المطر الثاني والأول قد بلل ثيابنا جميعا، ما جعل الأمير خالد يؤمن بأن هذا البلل لن تجففه سوى شمس ساطعة من العمل والشفافية والإنتاج، وهو ما دفعه للعمل إلى تحقيق المكسب الأكبر الذي حظيت به جدة والمتمثل في موافقة الديوان الملكي على استثناء مدينة جدة من أنظمة المناقصات الحكومية، ما يمثل هزيمة للخصم الحقيقي لكل مشروعات التنمية، وهو النظام الإداري المعمول به في حياتنا الإدارية وما يعانيه من ترهل وبيروقراطية وثغرات واسعة للفساد والتأخير وغياب التنفيذ، وكل مسؤول يدرك أن هذا القرار إذا ما تم تطبيقه على مختلف الوزارات وإمارات المناطق فسوف يشكل نقلة فعلية في تنفيذ مختلف مخططات ومشروعات التنمية. لأن ذلك النظام الإداري بات من الواضح أنه يعيش ثغرات لا حصر لها، وإلا فكيف يتم الاستيلاء على كل هذه المساحة الهائلة من الأراضي، وكيف يتم إيصال الخدمات لها؟ أليس من الواضح إذن أننا أمام نظام إداري يفتقد لأبسط أبجديات الإدارة وهي الرقابة القادرة على حماية حقوق الناس من هذا التعدي السافر، ويزداد القلق إذا ما أدركنا أن هذا الملف وهذه المعركة إنما تم خوضها في جدة فقط، فكيف هو الحال في بقية مناطق المملكة، والتي تحتكم لذات الإجراءات الإدارية؟ من الواضح أن ثمة معركة فعلية على المستوى الإداري والنظامي خاضها الأمير خالد الفيصل، وإلا لما كانت النتائج بهذا الحجم، وبهذا المستوى. إنما كيف استطاع خالد الفيصل أن يفعلها؟ وأن يقدم انتصارا وطنيا بهذه الضخامة، وأن يقدم نموذجا يثبت أن أفكار العدالة والشفافية والحقوق ليست مجرد أفكار، بل هي واقع يسهم اتساعه في استقرار وطني حقيقي، والأيام ستكشف لنا جوانب من فصول تلك المواجهة.
كل هذه المساحة الهائلة تمت استعادتها وهي معتدى عليها بدون وجه حق، وهي من الأراضي التي خصصتها الدولة لإقامة مشروعات النفع العام، ليس ذلك فحسب، بل تم إيصال الكهرباء والماء إليها وتحديدها كمخططات جاهزة للبيع، وهي معلومات تشير إلى أن من حقنا أن ننتظر جوابا ورواية متكاملة الأطراف لهذه القصة، ومن هم هؤلاء الذين حاولوا الاستيلاء على هذه المساحة الهائلة من الأراضي، وكيف تمت استعادتها وما فصول المواجهة؟ لأن من شأن الإجابة على بعض هذه الأسئلة أن تجعلنا نتعرف على فصول من معركة الاستعادة هذه.
الذين يرون أن في كشف هذه القصص نوعا من الدعاية هم في الواقع لا يدركون أن الإعلام بات جزءا من صناعة الاستقرار.