في نهاية مايو 2006 نسيت إيفانا هاتفها في المقعد الخلفي لسيارة أجرة في مدينة نيويورك. أجرت اتصالات على رقمها بعد ساعات من فقدانه دون جدوى. أرسلت عدة رسائل نصية إلى رقمها، لكن لم يرد عليها أحد. استعانت بزميلها إفان جوتمان لمساعدتها. عرضا 300 دولار على من لديه الجهاز مقابل إعادته إليها. فقيمة الجهاز المعنوية لديها أكبر من المادية. بعد يومين من الرسائل والاتصالات قررت إيفانا أن تقتني جهازا جديدا. هاتفت شركة الاتصالات المشغلة لجوالها؛ لتحويل المعلومات المخزنة في سجلاتها إلى الجهاز الجديد. استجابت الشركة لطلبها. كانت المفاجأة أنها استقبلت بيانات جديدة في جهازها الحديث تعود للشخص الذي يستخدم هاتفها المفقود. فقد تبادل هذا الشخص الرسائل والصور مع آخرين عبر جهازها القديم. توصلت لاسم هذا الشخص وصوره ورسائله وإيميله. الشخص هو شاشا. أمريكية من أصل مكسيكي.

أرسلت لها إيفانا رسالة تطلب من خلالها استعادة جهازها. أجابتها شاشا باقتضاب قائلة: "أنت بيضاء حمقاء. لا تستحقين هذا الجهاز. لن يعود إليك مرة أخرى". رد شاشا لم يرق لإيفانا وزميلها. قررا على الفور إنشاء موقع إلكتروني ينشران عبره قصة الجوال بحثا عن حلول مجدية لاستعادته. يوم 6 يونيو انطلق الموقع فعليا. وضعا فيه القصة وصورة شاشا. تناقل رابط الموقع الركبان. تلقت إيفانا في أول يوم رسالة من شخص يدعى لويس يزعم أنه شقيق شاشا ويعمل في الشرطة. وأكد أن أخته اشترت الجهاز من بائع متجول. وطلب من إيفانا أن تنتزع صورة شقيقته من الموقع وتتوقف عن التعريض بها. رسالة أخرى تلقتها في نفس اليوم من شخص مجهول وفر لها عنوان منزل شاشا. مئات الرسائل تدفقت إلى بريدها. آلاف الزيارات سجلها الموقع. شرطي تطوع لمساعدتها في تسجيل بلاغ رسمي. قناة تلفزيونية محلية عرضت تقريرا عن الموقع. في يوم 15 يونيو 2006 الشرطة قبضت على شاشا وأعادت الجوال إلى إيفانا.

موقع (ستولن سايد كيك) الذي أطلقته إيفانا وزميلها صار لاحقا قبلة لكل من سُرق أو أضاع جهاز جواله. أصبحت إيفانا نجمة يتحدث عنها الصحفيون والأكاديميون على حد سواء. تحولت معاناتها في فقدان جوالها إلى مصدر لثرائها معنويا وماديا.

نفس الحال ينطبق على أستاذ الفيزياء في مدينة نيس الفرنسية، جوزيه باليمو، الذي تعطلت سيارته ولم يعد قادرا على الذهاب إلى المدرسة ليومين متتاليين. فلا يملك أجر المواصلات الباهظة التي تقله من مدينته النائية إلى طرف مدينة نيس. هدده مديره بالخصم إذا لم يجد حلا سريعا للحضور والقيام بالشرح للطلاب. قام جوزيه بتسجيل محاضرات في منزله ورفعها على اليوتيوب ليشاهدها طلابه. لم يشاهدها طلابه فحسب، بل طلاب جنوب فرنسا بأسرها. نالت المحاضرات إعجاب الجميع وسلطت الضوء على إمكاناته ومهاراته. في اليوم الثالث من رفعه المحاضرات على اليوتيوب تلقى جوزيه اتصالا من مدير مؤسسة تعليمية يطلب التعاقد معه بمبلغ أكبر 10 مرات من الذي كان يتقاضاه في مدرسته. جوزيه بعد أن كان يركب سيارة رثة ومتهالكة بات يمتطي سيارة فارهة وحديثة. واتفق أيضا في نهاية عام 2010 مع شركة إنتاج وسائل تعليمية فرنسية بمبلغ يعادل 4 ملايين دولار لتسويق محاضراته على الطلبة الفرنسيين للمرحلة الثانوية.

إيفانا وجوزيه مثالان ساطعان لشخصين تعرضا لمشكلتين متفاوتتين، لكن تعاملا معهما بذكاء واستبسال. الأولى قاتلت لاستعادة جوالها، والثاني للمحافظة على وظيفته. والنتيجة كانت ليس مجرد عودة جوال والاستمرار في عمل، بل تعدت ذلك بكثير.

لو كل شخص منا تعامل مع مشاكله بنفس طريقة إيفانا وجوزيه أجزم أننا سنتجاوزها. ربما لا نكون نجوما مثلهما يسهر الناس جراها ويختصمون. لكن قطعا سنتغلب عليها. مشكلتنا الحقيقية أننا نفقد الأمل بسرعة. ونهدر حقوقنا وأشياءنا بسهولة. ولا ندرك أن الأمل كما قال الدكتور عدنان الماضي يبدأ بـ"الأم". والأم لا تبخل على أبنائها أبدا، بل تمنحهم أكثر مما يتمنون، ويشتهون.

في حياة كل منا، شاشا، الفتاة التي سرقت جهاز إيفانا. دورنا أن لا ندعها تذهب، وأن نلحقها. أشياؤنا لن تبقى لنا إذا لم نحافظ عليها.