تحدثت مع أحد أصدقائي المبتعثين إلى الولايات المتحدة عن التكاليف التي يتحملها مقارنة بتكاليف المعيشة في السعودية، أهم الاختلافات التي ذكرها كانت الفرق الكبير لتكلفة اليد العاملة.

وضرب لي مثلا بإصلاح سيارته التي كلفته ما يقارب 800 دولار في حين لم تشكل تكاليف قطع الغيار أكثر من 200 دولار من إجمالي التكلفة. هذه التسعيرة العالية لأجرة اليد أتاحت للأميركي العمل كميكانيكي، بحيث توفر له هذه "الوظيفة"، وليس "المهنة"، دخلا جيدا يفوق متوسط الدخل للفرد الأميركي كونه يصنف كعمالة ماهرة.

إن رغب سعودي ذو خبرة بالعمل في نفس المجال لما تمكن من إعالة نفسه وأسرته. فهو لن يتمكن من منافسة الآلاف من الأجانب الذين لم تكن لتتاح لهم فرصة الاستحواذ على الكثير من مجالات العمل لولا التستر. بل وحتى تعدى الأمر السيطرة على المهن إلى السيطرة على أسواق كاملة شاملة قنوات التوزيع ونقاط البيع وحتى جهات الاستيراد.

النظام لا يسمح لهؤلاء الأجانب بتملك وإدارة أي نشاط تجاري. فهناك نظام لمكافحة التستر الذي تشرف عليه وزارة التجارة، بالإضافة إلى أن مؤسسة النقد تشمل التستر ضمن نظام مكافحة غسيل الأموال. ولذلك فإن تطبيق النظام بحذافيره سيؤدي حتما إلى تقليص حجم الأعمال بشكل كبير يؤثر على مستوى الخدمات المتوفرة بشكل سيعاني منه المواطن. ولكن هذه المعاناة لن تستمر طويلا، فما إن تتاح فرصة لرأس المال لتحقيق الربح، حتى يندفع إليها بفعل قوى السوق لتلبية الطلب. فمع انخفاض حجم العرض، سترتفع الأسعار، وبالتالي هامش الربح، الأمر الذي سيتيح أمام السعودي العمل وامتلاك محل لبيع الجوالات أو حتى صالون حلاقة يدفع فيه الزبون ضعف ما كان يدفعه سابقا.

على الرغم من ارتفاع الأسعار وانخفاض وفرة الخدمات فإن الفائدة المرجوة من القضاء على التستر بشكل كامل أشمل وأوسع. فالأموال الإضافية التي سيقوم الزبون بدفعها لقاء نفس الخدمة المقدمة ستذهب إلى جيب مواطن سعودي يستفيد هو وأسرته والوطن من كل ريال يدخل إلى جيبه. ولا ينتج عنه أي تآكل في القيمة نتاج التحويلات إلى الخارج. عدا أنه سيوفر ما لا يقل عن مليوني فرصة عمل ذات دخل مناسب، الأمر الذي سيساهم بوصول الاقتصاد السعودي إلى مرحلة التشغيل الكامل. والتشغيل الكامل سيساعد على نمو معدل الأجور والرواتب التي يحصل عليها المواطن السعودي بوتيرة أعلى من معدل التضخم بحيث تبقى المحصلة النهائية إيجابية لصالح المواطن. كل ما سبق ذكره منطقي وممكن من الناحية الاقتصادية، ولكن يجب مراعاة الجوانب الاجتماعية أيضا، فنرتفع بالمهنة من الامتهان الذي يحيط بها، ونرتقي بها إلى مصاف الوظيفة.