جمعة الغضب التي ذهبت مع زخات المطر لترسم خصوصية الحكم والسياسة في المملكة العربية السعودية، والعلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم، فبرغم التوقعات العالية التي صاحبت التحليلات السياسية العالمية من خلال النظر إلى الحراك الإقليمي الذي تشهده المنطقة، كل ذلك رفع من سقف التوقعات بوقوع حالة من الفوضى النسبية الجمعة الشهيرة وحملة (حنين) إلا أن ما حدث خلاف ذلك تماما! فما هو السبب؟
أرجعت بعض الدوائر العالمية سبب ذلك إلى التواجد الأمني الكثيف في شوارع الرياض ومناطق المملكة، وهذا مستبعد بشكل كبير ذلك أن التواجد الأمني لم يمنع المتظاهرين في دول مثل تونس ومصر وأخرى دموية مثل ليبيا من الخروج والتظاهر والمطالبة بإسقاط النظام!.
ما حدث في المملكة العربية السعودية؛ هو شيء مستغرب لمن لا يعرف تركيبة هذا المجتمع وطريقة الحكم فيه، فالأسرة الحاكمة محل إجماع لدى السعوديين، والنظام الملكي بشكله العام موضع اتفاق، وجميع المطالب السياسية التي ظهرت في الفترة الأخيرة تصب في خانة توسيع المشاركة السياسية وتعزيز الرقابة ومكافحة الفساد، لذلك شاهدنا أن السعوديين لما تأكدوا من محاولة اختراق أمنهم الداخلي وافتعال مصادمة بين الحاكم والمحكوم سارعوا إلى الرد العملي بعدم الخروج نهائياً في المظاهرات التي دعت إليها قوى مشبوهة كانت تسعى إلى استغلال حالة الثورات التي تعيشها بعض الشعوب لزعزعة الاستقرار في المملكة العربية السعودية.
إلا أن الحملة التي انطلقت من الفيس بوك وتويتر كانت تتحدث بلغة غير لغة السعوديين، ولذلك كان من الواضح أنها تدار بعقلية غير سعودية؟! ابتداء من اسمها (حنين) الذي لا أعتقد أن أحدا يعرف إلى اليوم سبب هذه التسمية سوى الارتكاز التاريخي على الاسم والاستشهاد ببعض الروايات المشبوهة تجاه هذه الغزوة التاريخية!
الأسبوع الماضي عندما كنت في أبوظبي لحظور مؤتمر مركز دراسات الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والذي تناول الرؤية الاستشرافية للتطورات العالمية، في أروقة هذا المؤتمر دار الكثير من الحديث عن مستقبل المنطقة الخليجية في التطورات المحيطة لاسيما في مصر التي لها تأثير ثقافي وسياسي وفكري واضح على دول المنطقة منذ فترة تأسيسها، غالبية من قابلتهم أجمعوا على أن دول الخليج ليست بمنأى عن التأثر بما يدور حولها لذا عليها المبادرة في تحقيق تنمية حقيقية لمواطنيها من خلال منظومة المجلس التي أثبتت أحداث البحرين وعمان أن الجميع في خندق واحد والتنمية لا بد أن تكون شاملة.
الاستجابة للحراك الشعبي في دول الخليج جاء ـ بلا شك ـ ملائما إلى حد ما للمطالب، ففي البحرين كانت هناك رغبة ملحة من الحكومة في الاحتكام للحوار في تحقيق المطالب لولا تدخل إيران من خلال الولاء الطائفي.
عمان قامت بإصلاحات تاريخية في تعزيز المشاركة الشعبية ومحاربة الفساد والاستجابة بشكل حضاري لمطالب المعارضة، في السعودية جاءت الأوامر الملكية في تعزيز التنمية ورفع مستوى دخل الفرد والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد لترضي بعض التطلعات للإصلاح السياسي والاقتصادي في السعودية.
في السعودية يمنع التظاهر من الناحيتين السياسية والشرعية، وأصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة فتوى تنص على حرمة التظاهر، وبغض النظر عن الرؤية الفقهية التي ارتكزت عليها الفتوى إلا أنها تعكس مستقبل التحرك السياسي في السعودية أنه سيظل لفترة ليست بالقصيرة محصورا بالطرق التي اعتاد عليها الناس، وهي المناصحة المكتوبة لولي الأمر عن طريق اللقاءات الخاصة التي تحقق نوعا من التواصل بين القيادة والشعب ليس من باب التحليق بعيدا إذا قلنا إنه من الصعب اختراق الجانبين السياسي والشرعي في أي قضية لاسيما وأن علماء الشريعة في السعودية يحظون بسلطة نافذة لا يمكن تجاهلها ورصد أي توقعات بدونها لذا فإن كلمة الإصلاح التي انطلقت مع خطاب خادم الحرمين الشريفين هي الأساس الذي انطلقت منه أول هيئة سعودية لمكافحة الفساد، وهو مؤشر قاد إلى تفاؤل كبير في الأوساط المختلفة لشرائح المجتمع الذي يريد من هذه الهيئة ممارسة سلطة حقيقية على المال العام المهدر والذي يقدر بمليارات الدولارات، ومعالجة قضايا الفساد الإداري الذي رفع مستويات البطالة في المجتمع الذي يشكل الشباب فيه الغالبية العظمى.
الآمال كبيرة والتفاؤل وحده المسيطر والكرة في ملعب الهيئة وحمل كبير تتحمله في السنوات المقبلة يمكن أن يزيد من وتيرة التفاؤل أو اليأس الذي لا نتمناه.