كان اليوم الذي ذهبت فيه أنا وابني جهاد، والذي كان للتو قد بلغ السن القانونية، للإدلاء بأصواتنا في الانتخابات البلدية السابقة، من أسعد أيامي التي ما زلت أتذوق طعم نشوتها، حيث كنت أمشي وكأن قدمي لا تلامس الأرض، وذلك انتشاء بقيمة اقتراب كمال مواطنتي، من ناحية المشاركة في اختيار ممثلين لي في دوائر صنع القرار والإشراف على المشاريع العامة ومراقبة المال العام، وأخذ رأي الناخب (المواطن)، في ذلك بعين الاعتبار. ومع كون كل الذين صوت لهم في الانتخابات لم ينجح منهم أحد؛ إلا أنني اعتبرت كل من نجحوا يمثلونني، حيث إنني في الأول والأخير قد شاركت في بهجة عرس انتخابهم الوطني.
وقبل أن نذهب للإدلاء بأصواتنا، كنا جالسين في البيت مع زوجتي وقرة عيني، لطيفة العييري، وبناتي وفلذات كبدي، الصغيرات آنذاك فداء وتفاني وعروبة، أحاضر عليهن، كأكاديمي لا يمل ولا يكل من إلقاء المحاضرات، حتى ولو بان التململ على وجوه الحضور، عن أهمية هذا اليوم الوطني العظيم، بالنسبة للمواطنين وللوطن بشكل عام، وما يجب أن نتوقع منه. وعندما انتهيت من إلقاء محاضرتي العصماء، والتي كانت زوجتي ترقب حماسي الظاهر وأنا ألقيها وتنظر إلي بشيء من الشفقة، سألتني: كيف تتحدث عن إنجازات وطنية فاصلة وحاسمة، لا يشارك فيها نصف المجتمع، أو بالأحرى محروم من المشاركة بها؟! طبعاً سؤال جداً كان محرجا لي؛ ولكننا كأكاديميين نجيب بسرعة على مثل هذه الأسئلة المحرجة، بالرد: هذا سؤال جميل، ومطلوب طرحه، خاصة في مثل هذا الوقت، ولكن...، ثم نصمت برهة تتلوها برهة، نبحث عن مخرج مناسب من مثل هذا الإحراج. فقلت لها: إن المسؤولين عن الانتخابات قالوا إن الوقت لم يسمح لهم في هذه الانتخابات بترتيب وتنظيم مقار لتصويت النساء؛ وقد وعدوا، بأن النساء سيشاركن لا محالة في الانتخابات البلدية القادمة.
قلت لها لا تكوني متشائمة إلى هذا الحد، فردت علي: بألا أكون طيب القلب إلى هذا الحد، وهي دوماً تستخدم معي عبارة طيب القلب، بدل كلمة "ساذج"، تأدباً معي، وأنا أثمن لها هذا الكرم في التأدب غالياً، ومع ذلك لا أستفيد كثيراً من نصائحها الثمينة، فما زلت أصدق كل ما أسمعه من وعود المسؤولين في أي تقدم حقوقي يطرحونه، خاصة في مجال حقوق النساء، وأخذه على محمل الجد، وأصفق له وأسوق له في كتاباتي ومحاضراتي وجلساتي.
وكالعادة، عندما يزداد الإحراج، ننظر إلى ساعاتنا، ونقول إن النقاش جداً ممتع، ولكن الوقت متأخر. وهكذا قلت لابني، هيا بنا، قبل أن يزداد الزحام في مركز الانتخاب، ونظرت لزوجتي وقلت لها، إنني أعدها بألا أذهب للانتخابات القادمة، إلا وهي وبناتي أمامي، وإلا فإنني لن أذهب وأشارك فيها. فقالت لي: هذا يعني أنك لن تذهب في الدورة الانتخابية القادمة، فقلت لها بل سأذهب وأنت أمامي، هل تراهنين، فقالت: لن أراهنك ولكنك لن تذهب. ولم تقبل مراهنتي، ليس عدم ثقة منها بنفسها، ولكنها تعبت من كسب الرهانات معي، ولم أتعب أنا من خسارة الرهانات تلو الرهانات معها.
وعلى هذا الأساس، فقد قررت عدم المشاركة في الذهاب للتصويت في الانتخابات البلدية في يوم 23 من أبريل القادم. حيث وعدت زوجتي بأنني لن أذهب للانتخابات البلدية الثانية، إلا وهي أمامي، وقد تم تأكيد مسؤولي لجنة الانتخابات البلدية بأنها لن تذهب للانتخابات لا أمامي ولا بجانبي ولا حتى خلفي، لا سمح الله، وقد وعدتها بذلك ووعد الحر دين عليه. ومن سابق تجربة فقد لا أشارك كذلك في الدورة الثالثة، وهذا ليس على مسؤولي الانتخابات ببعيد، فقد وعدوا وعاهدوا، وراهنا على وعدهم، وخذلونا ولم يصدقوا في وعودهم لنا، وليس هذا بغريب على أي مسؤول، عندما تتعلق وعوده بمسألة إرجاع حقوق نسائنا المسلوبة منهن، مثل حقوقهن في المتاجرة في المحلات وقيادة سياراتهن، وغيرها من حقوقهن الشرعية والوطنية الملحة.
فقد أكد صاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب، وزير الشؤون البلدية والقروية، قبل أسابيع، بأنه ليس لديه مانع من مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، ولكنه شكل لجنة لدراسة مسألة مشاركة المرأة في الانتخابات، والتي أكد رئيس اللجنة العامة للانتخابات، عبدالرحمن الدهمش، أن لدى اللجنة مانعا من مشاركة المرأة في الانتخابات، وذلك لعدم وجود المقرات، وعليه ستؤجل مشاركتها لدورة الانتخابات القادمة! ما أقول إلا "على مين تلعبها يا ابن الناس؟!"، راهنا على وعودكم السابقة وخسرنا الرهان؛ ولن نقبل بأن نخسر أو نراهن على مصداقيتنا أكثر. نحن دوماً نردد "الجنة تحت أقدام الأمهات" ونراهن عليها ونحن مؤمنون بأننا لن نخسر رهاننا في ذلك، وأنتم أثبتم دوماً بأن "اللجنة فوق رقاب الأمهات" وهذا شأنكم وما رضيتم به لأنفسكم، ولن نكون شركاء لكم في ذلك. خاصة كون أعذاركم أصبحت لا تنطلي لا على ذي لب، ولا على غير ذي لب.
فقد أكد رئيس اللجنة الدهمش، أن عدم توافر المقرات هو السبب في عدم مشاركتها في الدورة السابقة وفي الدورة الحالية..! وتفنيد هذه الحجة بسيط جداً، وهو لماذا لا تصوت النساء في نفس مقرات تصويت الرجال، وذلك بعد انتهاء فترة تصويت الرجال؟ فقد أخرتم الانتخابات لسنتين، فما يضر لو تم تأخير النتائج ليومين؟ ثم لماذا هذا الهوس في حب صرف الميزانيات على مقرات تساوي عدد المقرات الموجودة وتأثيثها وتأمينها وحراستها..؟! والسبب الثاني الذي أورده رئيس اللجنة هو أن الانتخابات تخضع لمعايير دولية ولذلك لا يمكن الاستعجال بها، وعليه تم منع النساء حق التصويت. والسؤال هنا: هل أنت فعلاً ملم بالمعايير الدولية للانتخابات والتي أول شروطها، هو حق جميع المواطنين البالغين ذكوراً وإناثاً، وبلا تفريق، بالمشاركة فيها، حتى ولو كانت فرعية، وإلا فلن تعتبر انتخابات يعتد بنتائجها أو يعترف بها دولياً. ثم يؤكد رئيس اللجنة، أن أنظمة المملكة، لا تمانع من مشاركة النساء في التصويت والترشيح في الانتخابات البلدية؛ والسؤال: إذاً لماذا خالفت لجنتكم المؤقرة، أنظمة المملكة وقوانينها وأنتم على علم ودراية بها، أم يهمكم فقط، تطبيق الأنظمة والقوانين شكلاً ولو أتت على حساب مضامينها؟
ولا أقول إلا إنكم حرمتم نساءنا من حقهن في التصويت والترشيح، وأهنتم عقولنا بأعذاركم الساذجة، ومنيتمونا بوعود غير صادقة، ولكنكم لن تستطيعوا منعنا من اتخاذ القرارات التي تحفظ حقوق زوجاتنا وبناتنا، والتي هي جزء لا يتجزأ من حقوقنا وكراماتنا وخيريتنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خياركم، خياركم لأهله...".