لا يختلف اثنان على أن الوظائف الرئيسة لمؤسسات التعليم العالي ممثلة بالجامعات، والكليات محصورة في ثلاث وظائف أساسية هي: التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. ويتوقع المجتمع من أية مؤسسة تعليمية القيام بهذه الوظائف على أكمل وجه. وبالرغم من توافر الميزانيات لهذه المؤسسات إلا أن هناك تفاوتا في القيام بهذه الوظائف، وتحقيق أهدافها، فالجامعات السعودية جميعها جامعات شاملة بحيث تركز على الوظائف الثلاث، عدا جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، فهي جامعة متخصصة. فعند الحديث عن الوظيفة الأولى لأية جامعة، فنحن نقصد الوظيفة التدريسية من خلال التخطيط، والتطوير لبرامج معينة على مختلف الدرجات العلمية (الدبلوم, والبكالوريوس, والماجستير, والدكتوراه) وتدريسها، ومستوى التدريس في كثير من الجامعات يعاني من بعض السلبيات التي تعود إلى قدم الخطط الدراسية، وعدم تحديث محتوياتها، ومفرداتها، وبذلك فهي غير مواكبة لمستجدات العصر الذي نعيش فيه، والسلبية الأخرى قد تعود لعدم تحمس أعضاء هيئة التدريس لتدريس المقررات التي توكل لهم، نظراً لانشغالهم بأعمال أخرى داخل، أو خارج الجامعة، أو لعدم تمكنهم من الأساليب التدريسية المناسبة للتدريس الجامعي الفعال، كما قد يكون السبب في ذلك عدم توظيف التقنيات الحديثة في مجالات التدريس المختلفة. ومع أن الجامعات تقدم حوافز مالية لهذا الجانب إلا أنها مطالبه بتقديم دورات تدريبية في أساليب وطرائق التدريس الجامعي، وكيفية بناء اختبارات مناسبة، كما أن الأقسام الأكاديمية مسؤولة عن تحديث برامجها، وخططها الدراسية بما يتناسب مع التطور، والانفجار المعرفي الذي نعيشه هذه الأيام. وأنا على يقين أن الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي تولي هذا الجانب أهمية كبرى، وتركز على جودة ما يقدم للطالب في قاعات الدراسة، ولن يتم اعتماد أي برنامج إلا إذا كان مطابقا للمواصفات، والمعايير المحددة لذلك. وأرى أنه لا بد أن يحصل أعضاء هيئة التدريس الجدد، أو الذين على رأس العمل على بعض الدورات التدريبية في مجال التدريس، والتقويم، وتقنيات التعليم، ويكون ذلك من البنود الرئيسة لتعيين أعضاء هيئة التدريس الجدد، أو من متطلبات الترقية لمن هم على رأس العمل.
ويمثل البحث العلمي الوظيفة الثانية للجامعة، وهذه الوظيفة حاضرة غائبة في كثير من الجامعات، ويتفاوت تحقيقها من جامعة لأخرى، وقد تكون هناك أسباب مقبولة تحول دون تحقيق أهداف البحث العلمي، خاصة في الجامعات الناشئة، أما الجامعات التي مضى على إنشائها وقت طويل فهي مطالبة بإبراز جهودها في هذا الجانب، وتقديم ما يثبت إنجازاتها في مختلف التخصصات، لأنه لا يوجد بحث علمي جاد ونتائج بحثية متميزة، وأبحاث منشورة في مجلات علمية مرموقة من غير دعم سخي لهذا الجانب، وأغلب الجامعات - إن لم يكن جميعها - تتضمن ميزانياتها الكبيرة سنوياً مبالغ مخصصة للبحث العلمي، لكن لا يكون لهذه الميزانيات أثر واضح على الإنتاجية البحثية المتميزة، وقد يكون السبب عائداً إلى أن أعضاء هيئة التدريس يركزون في أبحاثهم على أبحاث نوعية، وموجهه للترقية بالدرجة الأولى، وهذا بدوره يؤثر على مستوى البحث العلمي وتميزه. وفي حالة توافر الدعم السخي للبحث العلمي، والإمكانات المادية والبشرية، والبنية التحتية الضرورية لعضو هيئة التدريس بشكل خاص، وللجامعة بشكل عام؛ فالجامعة غير معذورة في حالة تقصيرها في هذا الجانب. وهنا سؤال كبير حول البحث العلمي في الجامعات السعودية وبحاجة إلى إجابة.
وأرى أن بعض الجامعات العريقة كجامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك عبدالعزيز، بدأت تركز على هذا الجانب بدرجة كبيرة من خلال إنشاء بعض الكراسي البحثية، والمعاهد المتخصصة في البحث العلمي. ومن الضروري تفعيل مراكز البحوث العلمية بالكليات بجميع الجامعات، وتقديم الدعم المالي السخي للأبحاث العلمية الوطنية التي تسعى لدراسة بعض الجوانب، أو الموضوعات التي تهم الوطن بشكل عام.
وتمثل خدمة المجتمع الوظيفة الثالثة للجامعة، وهذه الوظيفة - من وجهة نظري على الأقل - لم يتم التركيز عليها بدرجة كبيرة لدى بعض الجامعات، ويجب ألا تقتصر خدمة المجتمع على البرامج التي تقدمها عمادات خدمة المجتمع والتعليم المستمر من خلال برامجها مدفوعة الثمن، فهذه خدمة تدريسية، وتدريبية بمقابل، ولكن الجانب المفقود لهذه الوظيفة هو ما يقدم من دورات قصيرة في مختلف المجالات لجميع فئات المجتمع، وبدون مقابل، مثل الدورات في كتابة الاختبارات لمعلمي التعليم العام بالتنسيق مع إدارات التربية والتعليم، وكذلك الدورات في استخدام التقنيات الحديثة، ودورات صحية، ودورات تثقيفية عامة، وندوات علمية، واقتصادية، وغيرها. كما أن البرامج الثقافية لدى كثير من الجامعات في سبات عميق ومنذ زمن طويل، والجامعات عليها مسؤولية كبيرة في تنشيط الحراك الثقافي على مستوى المنطقة، أو حتى على مستوى المملكة بشكل عام. وقد بادرت جامعة جازان وكان لها السبق في طرح برامج ثقافية أثرت كثيرا من الجوانب التي ناقشتها من خلال استضافة بعض الشخصيات التي لها باع طويل لتقديم خبراتها لجميع أفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم.
وهنا أرى أن الجامعات مطالبة بأن تحدد نوعها، هل هي شاملة؟ أم تدريسية؟ أم بحثية؟ أم تجمع بين وظيفتين؟ وإذا كانت من النوع الذي يجمع بين وظيفتين، أو شاملة فلا بد أن تثبت للجميع إنجازاتها في هذه الجوانب؛ لأن توقعات المجتمع من مؤسسات التعليم العالي عالية جداً. كما أتطلع إلى عدم استمرار جامعاتنا بوضعها الحالي نسخة من بعضها في برامجها، وفي ما تقدمه؛ فنحن بحاجة إلى أن نرى تميزا لكل جامعة في جوانب، وبرامج مختلفة.