جذورنا الأرض الواحدة...، اللغة الواحدة...، التقاليد الواحدة...، الدين الواحد...، الحنين الواحد...، جذورنا الكل...، فلماذا في لحظة ما...، في غفلة ما...، في خيبة ما...، ينفرط الواحد، ويتحول إلى أجزاء متنافرة؟!. ومن المستفيد من تجزئة الكل، وانفراط العقد، وتناثر الشعب الواحد جماعات متصارعة؟. من الذي يريد أن يسود فيفرق؟!.
مشاهد مؤسفة تنمو وتتألق وتزدهر في أرضنا العربية ومجتمعاتنا العربية وأوطاننا العربية، وكأننا لم نعرف بعد معنى الانتماء!. يسوقنا أعداء الأمة إلى مقتلنا فنهرول كالخراف المذعورة غير مبالين بالمصير المأساوي الذي ينتظرنا، والكارثة أن بعضنا يعتقد أنه يسير على طريق النجاة، وأن دفئاً ما سيغمر فؤاده إذا أحرقت النار أطرافه!. نسي أن عضواً واحداً إذا اشتكى تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى!. هو العمى المصلحي والروح الانتهازية، والجهل الذي يقتل صاحبه!. هو النرجسية الحبلى بالأنا ومن بعدي الطوفان!.
لم يعرف بعضنا أن التوحد ينبغي أن يكون في الكل لا في الجزء، وأن الانتماء الحقيقي يعني أن تذوب كل الفوارق والأماكن من أجل وطن واحد، وطن قادر على حماية الكل ورعاية الكل ومن أجله يعيش الكل أو يموت الكل!.
إنني أدعو وزارات التعليم العربية أن تجعل الانتماء مادة علمية لا يُكتفى بدرجة (مقبول) للنجاح فيها، وأن تقرر على كل المراحل التعليمية، حتى نعيد لأوطاننا هيبتها وكرامتها وحقها الذي يُهدر لأغراض شخصية ومصالح فئوية!.
لا بد أن تتعلم الأجيال القادمة أن الوطن ليس كلمة نتغنى بها أو شعاراً نتشدق به حينا وحيناً ننساه، لا بد أن يعي أبناؤنا أن الوطن يعني الأرض والبشر والسماء، الوطن يعني الحياة، يعني الكيان...، الكرامة...، الكبرياء...، وبدونه يصبح الإنسان ذرة غبار تتقاذفها الرياح في كل اتجاه!.
ومن ثم، فإن حماية الأوطان مسؤولية تقع على كل أبنائها، لا على فئة دون فئة، ولا يجوز لفئة أن تعنى فقط ببيئتها المحدودة، أو تحاول أن تصور هذه البيئة في عيون أبنائها على أنها الوطن، وأن ما سواها هي أرض أخرى لأناس آخرين!.
ولعل أوطاننا العربية تتعلم من المشهد الأليم الذي مرّ به السودان فأصبح سودانين، وصار أبناء الشعب الواحد في دولتين، وربما تتولد دول أخرى من رحم الأرض الواحدة، فلا يستعصي على الذئب الحمل، وتصير العروبة كلها مجرد قضايا يتم تداولها على الطاولات الدولية، ولا نملك ساعتئذ إلاّ أن نترحم عليها، تماماً كما نترحم على فلسطين!.