فوارق قيمة العقود للمشاريع الحكومية ما بين المقاول الرئيسي وبين المقاول الخامس من الباطن لا تنبئ إلا بحالة من اثنتين أو بالحالتين مجتمعتين: إما أن هذه المشاريع قد بالغت في عقودها بالضعفين وإما أن الشقيق الخامس من ـ الباطن ـ سينتج لنا مشروعاً ـ هلامياً ـ بأردأ المواصفات والمقاييس وبأقل ما يكون من مؤشرات الجودة. وبين يدي الآن خبر عابر صغير على صدر الصحيفة أو حتى في زاوية مجهولة منها، إن صح التعبير، يشير إلى توقيع عقد ـ صيانة وتأهيل ـ بقيمة 700 مليون ريال، وقد رأيت أنه من النادر الشارد أنهم لم يصلوا هذه المرة لحاجز ـ البليون ـ أو (المليار) كما اعتادت ذائقتنا العامة أن تسمع هذه السنين ثم اكتشفت أن هذه الحزمة المليونية المئوية لم تكن نادرة شاردة وحدها، ذاك أن الرقم السابق كان ـ عوداً من حزمة ـ تواقيع ـ فتتوها ـ أمام العيون ولكن ـ الآلة الحاسبة ـ بجواري أوصلتها إلى المليارين. والعقود كلها لا تصون طريقاً ولا تؤهل مباني عامة ولا تشق متراً من البنى التحتية حتى نهضم أين ذهبت هذه الملايين. كل القصة أنني، ويشهد الله، قد عجزت بكل قواي اللغوية أن أفهم طبيعة هذه الصيانة والتأهيل، وكل ما استطعت فهمه أنها ستذهب إلى ـ تأهيل ـ مناطق صحراوية شاسعة في أطراف هذا البلد المبارك، وحيث بالمؤكد أن هذه القفار بلا وسم أو رسم أو ساكن. وسؤالي المشروع البريء: هل المقصود بالمبالغ المرصودة لقيمة المشروع، أي مشروع كان، هي أن تعطينا هذه المشاريع بحسب الرسم ـ الكرتوني ـ الجميل على أوراق المناقصة أم إن المقصود هو أن تتحمل هذه المبالغ حسابات القسمة على خمسة: واحد في الوجه وأربعة من تحته على بقية الجسد حتى ننتهي (بالبطن) الخامس؟ وإذا كان ـ البطن ـ الباطن من الخامس سيأكل من المشروع آخر الفتات، فكم هو نصيب من قبله من الأسنان الحادة والبلعوم والأمعاء الدقيقة ورأس المعدة قبل أن نصل إلى ـ القولون ـ ثم اسألوا أنفسكم: كيف سيكون المشروع بعد هذه الدورة الهضمية. كل هذا وما زالت أسئلتي بريئة.