احتكار الصواب والحقيقة من بعضنا مشكلة كبيرة تعاني منها مجتمعاتنا إلى درجة أن البعض يريد حمل العصا أو على أقل تقدير يأخذ موقف العداء عندما لا يؤخذ برأيه أو يقر أمر مناف لما يريده أو يعتقده. ومشكلة هذا الأمر أنه يؤدي إلى انقسامات بين المجتمع الواحد والوطن الواحد. والمشكلة الأكبر أن البعض منا لا يعي نتيجة ما يقدم عليه من تفريق للمجتمع وانقسام بين أبناء الوطن الواحد. الذين تعجبهم مثل هذه التوجهات لا يعترفون بنظام أو مسؤولية فالمهم هو أن ما يرونه يجب أن يكون. والصحيح أن نختلف ثم نضع مواطن الاختلاف أما أصحاب المسؤولية فنختلف معاً ونتفق معاً وإذا ما اختلفنا لا نصل إلى درجة التشنج والعداء بل نكون معاً فهذا أجدى لتصحيح الخطأ بل أدعى للحفاظ على وحدتنا وتماسكنا.
يجب أن نبتعد عن مفهوم "أختلف معك في الرأي إذاً أنا ضدك" ونقترب من "رأيك خطأ يحتمل الصواب، ورأيي صواب يحتمل الخطأ"، وننتهج الأساليب الحضارية ضمن النظام وضمن القانون، لأخذ جزئيات الصواب من كل رأي، ونخرج برأي يمثلنا جميعاً، ويكرس لحمتنا ووحدتنا ومحبتنا. ونمضي معاً جميعاً نحو الحفاظ على مكتسباتنا ضمن مفهوم "اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية".
البعض منا لا يدرك خطورة ممارساته، ولا يدرك أين تؤول الأمور عندما يعمل بعضنا ضد بعض.
ليس هناك من يرى أنه لا توجد أخطاء، وليس هناك من يعتقد أنه لا توجد تجاوزات. الأخطاء والتجاوزات من طبيعة البشر. فالناس على وجه الأرض ليسوا ملائكة. لكن العاقلين يستثمرون أخطاءهم في الإنجاز والتطوير لا في التضاد والتفرقة. كل خطأ هو اكتشاف لطريق لا يؤدي إلا إلى الحقيقة. نكتشف ذلك الطريق كثمرة من ثمار أخطائنا، ونبحث عن طريق آخر يؤدي بنا إلى الحقيقة التي ننشدها فنسلكه. هذا هو أسلوب الأمة المتحضرة، الأمة المتحابة المتكاتفة التي يحرص بعضها على بعض وعلى مجتمعهم ووطنهم. وأسلوب الأمة التي تخرب بيتها بأيديها هو محاولة لتصحيح الخطأ بشكل فردي بعيداً عن النظام.
أمام كل أمة عمل عظيم، وطريق شاق وتحد كبير، لا يمكن أن تصل إليه إلا وهي تفكر بشكل حضاري أثناء الاختلاف وأثناء الاتفاق. وهي دعوة لنا جميعاً لأن نعيد التفكير في طريقة تفكيرنا، ولننتهج طريقة التفكير الحضاري التي يتطلبها عصرنا، حتى نتمكن من مواجهة التحدي الذي نعيشه. لنكن يداً واحدة محافظين على عقيدتنا ووطننا وأنفسنا، مواجهين متطلبات عصرنا بوعي كامل، وحصافة متناهية وصولاً ببلادنا إلى ما نبتغيه لها جميعاً. نحن أمة مسلمة وخطابنا الإسلامي اليوم لا يتفق مع ما يدعو إليه ديننا. النمط السائد هو محاولة كل فريق هزيمة الفريق الآخر. إنها خطوة كبيرة نحو مزيد من الضعف والتخلف. تدبروا كيف يسُتقبل خطابنا ونحن بهذه الصورة الممقوتة. إن منهج التفكير القائم بين بعضنا اليوم أدى إلى تغير في صميم خطابنا. فمع أن الإسلام يدعو إلى التدبر والتفكير واستخدام العقل ومخاطبة أصحاب الألباب، إلا أنك ترى أن الخطاب الإسلامي اليوم في معظمه لا ينهج إلى تحريض أبناء الأمة على الاستزادة من العلم والاختراع والتعاون مع الآخرين للاستفادة منهم ومناقشة هذا الأمر لمعرفة كيف يمكن تحقيقه..
إن القضية هي منهج تفكير لا أكثر. هذا المنهج الذي سيستمر في دفعنا كأمة واحدة صاحبة منهج قويم ودين عظيمة روحه، وروحه فقط، تؤدي بنا إلى نفض غبار التخلف والضعف.
إن منهج تفكير المسلمين اليوم لا يتناسب مع عصرهم. إنه منهج يؤدي إلى استمرار التضاد، الأمر الذي يجعل أمتنا قابعة في مكانها.
يجب أن نكون عقلاء ونحكم العقل فيما نناقشه ونعمل بكل ما أوتينا من جهد ومكانة لتأجيل مناقشة القضايا التي طغت على الساحة وتسارع في ضعفنا وانقسامنا، ونحول اهتمامنا إلى مناقشة ما يقوينا ويجمعنا، ونتحمل مسؤولياتنا ولا ندع أمورا يمكن تأجيلها أن تطغى على فكرنا واهتمامنا إننا أمام مسؤولية عظيمة لتغيير نمط فكرنا وتوجيهه إلى ما ينفعنا وإلا نتحمل تبعات تصرفاتنا.
انظروا إلى العالم المتحضر من حولنا كيف يعمل على وحدته بالرغم من اختلاف لغته ودينه وتاريخه وما نتج عن تلك الوحدة من أمن وقوة اقتصادية ورفاهية في العيش. أن يفكر بطريقة صحيحة. يتفق بعقل ويختلف بحكمة ولا يؤدي اختلافه إلى التضاد وحمل العصا ولا يسمح لأي كان بأن يخلخل تلك الوحدة أو يعمل على تصديعها. أهداف الوحدة خطوط حمراء لا تمس، ولكلٍ الحق في إبداء الرأي ولكن بأساليب وطرق حضارية يحكمها قانون الوحدة والحرص على الحفاظ على مكتسباتها. إنها الحكمة التي تسود في ثقافتهم ونحن أولى بتلك الحكمة فديننا دين الحكمة ودين العقل ودين كل المثل والقيم التي يجب أن تجعلنا نتفوق عليهم. لكنها ممارساتنا التي جعلت منا ما نحن فيه وما نكون.
إنني أدعو لتفكير سليم يجعل منا أمة متحضرة قوية آمنة ملتحمة محافظة على مكتسباتها وتعمل باستمرار على تطوير ذاتها في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان.