في حقبة مضت طلبت منا مضيفة الطائرة المتجهة من جيزان للرياض، نحن ركاب الصف الأول في درجة الضيافة، أن نخلي مقاعدنا حتى تستقر "شخصية مهمة" في مقاعد الدرجة الأولى ثم يمكننا بعدها العودة لمقاعدنا.
في حقبة تالية كنت متربعا في مقاعد الدرجة الأولى وقبل موعد الإقلاع بدقائق دخل الأمير محمد بن ناصر، بكل هدوء، وأخذ مقعده في انتظار الإقلاع. منذ أخذ أبو تركي مكانه بالطائرة وعينه من نافذتها على جيزان حتى تجاوزناها ثم أكب على أوراق بين يديه حتى وصلنا. لم ينتبه بعض ركاب الدرجة الأولى إلى أن الأمير معهم على نفس الدرجة حتى نهض واقفا للخروج في مطار الرياض.
عملت فترة من الوقت في إمارة جيزان ورأيت الوقت الواسع الذي يخصصه الأمير يوميا للاستماع للمواطنين في صالة الاستقبال، ينتقل بعدها إلى مكتبه للنظر في المعاريض والمعاملات، وكل العاملين في الإمارة يعرفون ما يتمتع به أبو تركي من تركيز وصبر على قراءة المعاريض الطويلة ذات الصفحات المتعددة والخط الرديء، ودائما يضع بقلمه خطوطا تحت الفقرات المهمة على طول المعروض ليلفت انتباه واهتمام الموظفين إليها ويختمها بتوجيهات واضحة لا تقبل اللبس.
درج الأمير على عادة فتح مجلسه أسبوعيا للجميع، الجديد الجميل في هذه الجلسات أنه يتم الإعداد لها مسبقا لتكون إحدى الدوائر الحكومية في مناقشة علنية موضوعية وصريحة مع المواطنين المستفيدين من خدمات هذه الدائرة والكتاب الذين تناولوا أداءها في الصحف أو المنتديات.
الأمير قليل الكلام وجيزان تفتقر للإعلام، لكن من يزرها فسيرى كيف تغيرت وتتغير كل ساعة. الحقيقة أن جيزان أخرى تسر الناظرين نشأت تقريبا من الصفر بجهد ومتابعة لا تتوقف من الأمير محمد بن ناصر.
منذ حين وكثير من أهل جيزان يرون أن أمانة المنطقة غير عادلة في توزيع منح الأراضي ويتهمونها بتوزيع غالب المنح على مواطنين من خارج جيزان، وأهالي جيزان لا يعترضون على حق كل مواطن في الحصول على منحة في أية منطقة في البلاد كما هم يحصلون على منح حيث شاؤوا ، لكنهم يرون أن الأمانة غير عادلة في توزيعها المنح، ويتهمونها بظلمهم ولا يعرفون سوى أن الأمير محمد بن ناصر هو القادر على المحافظة على حقوقهم وأولوية مصالحهم ومواجهة الأمانة بهم في مجلس الأمير لتقنعهم بعملها أو إلزامها بما هو حق وعدل.
[email protected]