الصلاحية باختصار هي تلك التي يؤدي غيابها إلى تعطل العمل ما لم يفوّض صاحب الصلاحية غيره في ذلك، وبناء على هذا التعريف نستطيع القول إن المجالس البلدية الآن في واقع الأمر بلا صلاحيات، بدليل أنها كانت موجودة ثم غابت سنوات عديدة ولم يتعطل أي عمل في البلديات، وعادت بعد ذلك ولم يتغير شيء، مما يعني أنها في واقع الأمر قد تكون لها اختصاصات تنشغل بها في حالة وجودها ولكن ليس لها صلاحيات قد تتعطل لو غابت.

من يرد تقييم دور المجالس البلدية فعليه فقط أن يختار حياً من أحياء مدينته ويسأل مجموعة من الأشخاص في هذا الحي أولاً عن ممثل حيهم في المجلس البلدي وثانياً هل سبق لهم أن اتصلوا بهذا الممثل وطالبوه ببعض الإصلاحات للحي أو إزالة بعض السلبيات، وهل يتذكرون أي مشروع أو إصلاحات في الحي كانت بتأثير مندوب حيهم.. وأعتقد أنه ليس فقط سيجد أن إجاباتهم سلبية بالنسبة لجهود ممثل الحي في المجلس فيما يتعلق بالإصلاحات في الحي ومعالجة المشاكل، بل سيجد غالباً أنهم لا يعرفون اسم ممثل حيهم أو أنهم عرفوه عند الانتخاب ثم نسوه بعد ذلك، وهذا يدل دلالة أكيدة على ضعف دور ممثل الحي أو ربما انعدامه نتيجة لضعف دور المجلس أصلاً أو انعدامه، وسبب كل ذلك عدم وجود صلاحيات فاعلة للمجلس.

لقد أصدر سمو وزير البلديات الدكتور منصور بن متعب – كما نشرت الصحف يوم الأربعاء الماضي – قراراً بتشكيل اللجنة العامة لانتخابات أعضاء المجالس البلدية للفترة الانتخابية الثانية، وهذا يعني أنه لن يتم تمديد فترة عمل المجالس البلدية عندما تنتهي في 11/11/1432هـ كما حصل سابقاً عندما تم تمديد الفترة لمدة عامين اعتباراً من 11/11/1430هـ وإنما سيتم انتخاب مجالس جديدة بالتصويت كما حصل عندما بدأت تلك المجالس عملها، وهذا أمر جيد، ولكن حتى تكون تلك المجالس فعالة ولا يحصل لها ما حصل خلال فترتها السابقة والحالية فلابد من تحديد صلاحيات لها تمكنها من أداء الدور المراد لها.

فلسفة انتخاب أعضاء المجالس البلدية تقوم على كون كل أهل حي أقدر من غيرهم على اختيار الشخص الذي يدير شؤون الحي في البلدية ويشترك مع غيره من ممثلي الأحياء الأخرى في إدارة الشؤون البلدية للمدينة، وهم أكثر قدرة على متابعة نتائج عمله والحكم عليها بين كل فترة وأخرى وبالتالي التمديد له أو البحث عمن هو أفضل منه من أهالي الحي ليقوم بالمهمة في الفترة القادمة، وهذه الفلسفة لا تتحقق ولا تستقيم إذا كان المجلس البلدي بدون صلاحيات، ولكون المجالس بدون صلاحيات الآن فإن اتصالات أهالي الأحياء فيما يتعلق بشؤون أحيائهم تكون بالإدارات المختصة في البلدية، وليس بممثلي الأحياء، ولو كانت هناك صلاحيات لممثلي الأحياء في المجالس البلدية لكان لذلك أثر ولبدأ اتصال أهالي الحي يتجه لممثلهم بدلاً من الاتصال بإدارات البلدية، ولسهّل هذا عليهم كثيراً، أو ربما أراحهم بالمرة بعد أن تتعزز الثقة وتثبت الوقائع سلامة الأسلوب.

من يرد أن يتأكد من عدم وجود الصلاحيات الحقيقية فليراجع نظام البلديات والقرى في فصله الثاني، ومادته 11 التي لا تشترط في عضو المجلس البلدي إلا إجادة القراءة والكتابة، ثم المادة 23 التي يفترض أنها تتعلق بالصلاحيات وسيجد أن كل ما تضمنته عبارة عن اختصاصات يمكن لأجهزة البلدية الأخرى القيام بها، كما أن ما فيها من اختصاصات قد تحمل طابع الأهمية تكرر ذكرها في مهام رئيس البلدية، مثل إعداد مشروع ميزانية البلدية، فقد ورد ضمن اختصاصات المجلس البلدي، ثم ورد بنصه في اختصاصات مدير البلدية، الأمر الذي يعني أن مدير البلدية يمكن أن يقوم بمهام المجلس البلدي، كما أنه ورد في اختصاصات رئيس البلدية أنه هو (المرجع الأول في أمور البلدية) وهو (المسؤول عن إدارتها) و(له الحق في إصدار القرارات الخاصة بشؤون البلدية، كما ورد أنه هو المسؤول عن تنفيذ ميزانية البلدية) وهو الذي يدير (واردات ومصروفات البلدية) إلى آخر الاختصاصات التي لا تترك أصلاً للمجلس البلدي أي مهام لا يمكن لغيره القيام بها.

في رأيي أنه قبل الانتخابات لابد من إيجاد صلاحيات للمجالس البلدية تستحق ما يبذل من جهود في تلك الانتخابات، وتجعل المجالس قادرة على تحقيق تطلعات المواطنين الذين ينتخبونهم، وتوجد العلاقة التدريجية بين أهل الحي وممثلهم، وتريح أهالي الأحياء من المراجعات الفردية والجماعية لإدارات البلديات. وما لم يتم هذا فلا معنى في رأيي لهذه الانتخابات... الصلاحيات قبل الانتخابات.