وحتى مع الله، ومع الذات الإلهية، لم يتورع معمر القذافي عن ربط اسمه معها بواو العطف: الله ومعمر وليبيا وبس. هو مباشرة يأتي مع الله وهكذا تدق الديكتاتورية في نعشها أدهى المسامير دون أن تعلم سوأة هذه الشعارات ودون أن تدرك وقعها المشين على الآذان السوية. لم يترك معمر القذافي أن يضع نفسه في شيء من كل شيء. تقمص أدوار الفيلسوف والمفكر والثائر والقائد وحتى المواطن البسيط في الكذبة الكبرى أن الشعب يحكم الشعب. حاول معمر القذافي أن يكون برتراند رسل وجان بول سارتر وتشي جيفارا وشارل ديجول. هو صاحب النظرية الكونية الثالثة في كتابه الأخضر مثلما هو ملك ملوك أفريقيا ومثلما توهم – البارانويا – وإكسير العظمة صاحبها أنه الخيال المستحيل من كل الأوهام التي تتجسد في شخصية واحدة. انتهى أن يكون مع الله عز وجل في واو العطف المباشرة. ومشكلة – البارانويا – أنها توأم الانفصام: لا تقف لتسأل أقرب عابر سبيل عن تصديق الناس لحقائق ما تظنه هذه الشخصية التي لو اكتشفت صورتها لدى أقرب عابر سبيل لماتت من هول الصدمة.

اليوم، تهبط إلينا فجأة في نشرات الأخبار هذه الصورة المؤسفة عن بلد يسبح فوق بحيرة النفط. عن الصورة الخلفية التي تظهر فيها الشوارع المهترئة والأبنية المتهالكة وأرتال السيارات الصدئة ولولا سحنة الوجوه الحزينة ولهجتها لالتبست علينا مصادر الصور التي لا تختلف في شيء عما عهدناه برواندا والصومال وأفغانستان. تذكروا دوماً أنهم ستة ملايين ولهم في اليوم الواحد مليونا برميل من النفط. انظروا إلى خلفية الصور قبل أن تلوموا بعض الشعوب لماذا تثور ولماذا يصل بها الانفجار إلى هذا الحد. كل هذه المأساة التنموية حتى والشعب يحكم الشعب. وحتى في – القمة – النادرة التي استضافها هذا الزعيم القائد الفيلسوف الثائر في – سرت – لم ينتبه العالم إلى أن هذه الدولة النفطية استأجرت فندقاً عائماً من إيطاليا وطواقم تموين وإعاشة من تركيا رغم فواتح الزعيم التي أسبغت على – ليبيا – المجردة لقباً واسماً من سبع كلمات لا مكان لحرف فيها على هذا الواقع المأساوي. بقي من الصرعات أن يضع اسمه مع الله بواو العطف. هذا الحرف وحده يشرح مأساة شعب.