قبل أسبوعين صدر الأمر الملكي القاضي بإحداث 500 وظيفة جديدة في وزارة التجارة والصناعة لدعم جهودها الرقابية والحد من التلاعب في الأسعار. شدد الأمر السامي على أن تسارع الوزارة بكل قوة وحزم في إيقاع الجزاء الرادع على المتلاعبين بالأسعار والتشهير بهم دون تردد كائناً من كان المخالف. وأكد الأمر الكريم أنه لن يسمح بأي تراخٍ أو تساهل في هذا الشأن المهم، فمصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وعلى وزير التجارة والصناعة الرفع بتقرير شهري في هذا الأمر.
لدينا اليوم 8 أنظمة متخصصة وقادرة على مكافحة الآفات التجارية: نظام مكافحة الغش التجاري الذي تطبقه وزارة التجارة والصناعة بصرامة إلى جانب أنظمة هيئة المواصفات والمقاييس والأسماء والعلامات والبيانات التجارية، ونظام حقوق المؤلف الذي تسعى وزارة الثقافة والإعلام بكافة جهودها لتنفيذه، وأنظمة براءات الاختراع والدوائر المتكاملة والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية المنوطة بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وأخيراً لوائح التدابير الحدودية التي تستخدمها الجمارك السعودية كسد منيع أمام تدفق السلع المستوردة المغشوشة.
بتاريخ 29 /5 /1404هـ صدر نظام مكافحة الغش التجاري السعودي المصادق عليه بالمرسوم الملكي رقم م/11، والقاضي بمادته الأولى على ضرورة معاقبة كل من يخدع أو يشرع في الخداع، أو يغش أو يشرع في الغش بأية طريقة من الطرق، بغرامة من 5000 ريال إلى 100,000 ريال، أو بإغلاق المحل التجاري مدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على تسعين يوماً أو بالعقوبتين معاً.
الغش التجاري يعتبر من أخطر الأوبئة التي تصيب الدول النامية، لأنه يساهم في 65 % من حرائق المنازل بسبب الأسلاك الكهربائية والتوصيلات الرديئة، ويؤدي إلى وفاة أكثر من مليون نسمة في العالم سنوياً بسبب مروجي السلع الغذائية الفاسدة والأدوية الرديئة. في العام الماضي فاقت قيمة الغش التجاري في قريتنا الكونية 780 مليار دولار أمريكي، تعادل 7 % من قيمة التجارة العالمية، منها 56 مليار دولار في العالم العربي، و11 مليارا في الدول الخليجية.
أما التعديات على حقوق المؤلف فهي من أخطر أنواع السرقات الأدبية، التي قفزت قيمتها في البرامج الإلكترونية فقط من 73 مليار دولار في عام 2008م إلى 104 مليارات دولار في عام 2010م، كان معظمها نتيجة تقاعس الدول النامية عن مراقبة أسواقها وتساهلها في تنفيذ العقوبات الصارمة ضد منتهكي أنظمتها. جاءت الصين على رأس القائمة بنسبة انتهاكات فاقت 92 % تلتها أوكرانيا بنسبة 91 % ثم إندونيسيا بنسبة 88 % ثم روسيا وزيمبابوي بنسبة 87 % ثم الجزائر ونيجيريا وباكستان بنسبة 84 % ثم تونس وكينيا وتايلند بنسبة 82 % ثم لبنان والهند بنسبة 73 %.
في العام الماضي نجحت المملكة في رفع اسمها من قائمة الدول الواقعة تحت المراقبة الدولية، وذلك بعد أن أصدر الاتحاد العالمي لحماية حقوق الملكية الفكرية بياناً رسمياً يشكر فيه وزارتي التجارة والصناعة والثقافة والإعلام، الممثلتين باللجنة الدائمة لحماية حقوق الملكية الفكرية، على القرارات الحاسمة التي اتخذتها اللجنة للحد من التعديات على حقوق الملكية الفكرية في الأسواق السعودية.
نوه البيان بالجهود الحثيثة لوزارة الثقافة والإعلام، التي قامت بإطلاق موقعها الإلكتروني الخاص بحقوق المؤلف. وأوضح رئيس الاتحاد العالمي في بيانه الرسمي الذي احتل الصفحات الأولى في الصحف العالمية على أن هذه الخطوة الرائدة تضع السعودية في مقدمة دول المنطقة المهتمة بتعزيز مبدأ الشفافية، وتصميمها على محاربة كافة التعديات بصرامة متناهية. وأثنى البيان على وزارة التجارة والصناعة لأدائها المميز في تطبيق التزاماتنا بمنظمة التجارة العالمية، مما يؤكد على مدى اهتمامنا وتصميمنا على محاربة كافة أساليب السياسات المشوهة للتجارة بصرامة متناهية.
في العام الماضي فقط تجاوزت محاضر الضبط في الجمارك السعودية 1300 محضر وبلغ عدد المضبوطات التي تمت بحدود 6 ملايين وحدة مغشوشة أو مقلدة، شملت أدوية ومستحضرات تجميل، قطع غيار سيارات، إطارات، أدوات وأجهزة كهربائية، أدوات صحية، مواد غذائية، مشروبات وعصائر، حقائب وساعات وإكسسوارات. في الربع الأول من العام الجاري ارتفعت كمية هذه المضبوطات بنسبة 623 % عما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي، وذلك بسبب تكثيف جهود الجمارك السعودية الذاتية، ونتيجة لتطبيق أحكام التدابير الحدودية بصرامة وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم مع بعض الشركات المتخصصة في مجال الحماية.
الأسواق التجارية العربية تعاني الأمرين من مختلف أساليب الغش التجاري والتدليس والتقليد والتعدي على براءات الاختراع وسرقة الأسماء التجارية واختراق العلامات التجارية ونسخ حقوق المؤلف. يكفي أن نقوم بزيارة خاطفة إلى بعض الأحياء التجارية في بعض المدن العربية الرئيسة لنجد المخازن الكبرى والمتاجر الصغرى التي تتاجر بآلاف الأشرطة الصوتية والأفلام السينمائية المنسوخة ومئات البرامج الإلكترونية المسروقة وعشرات الأدوية المعطوبة.
بصدور الأمر السامي، تملك وزارة التجارة والصناعة اليوم زمام الأمور لقطع رأس الآفة التجارية. نحن اليوم أيضاً في أمس الحاجة إلى نخبة من المواطنين الذين يتوجب عليهم الوقوف إلى جانب الوزارة في سعيها الحثيث للقضاء على ممارسات الغش التجاري وأساليب التلاعب بالأسعار والاحتكار، والتصدي للتعديات على حقوق الملكية الفكرية.
هؤلاء المواطنون لن يقبلوا أن يكون وطنهم في مكانة متخلفة عن ركب العالم الأول.