اهنئ الدكتور فيصل الصقير على الثقة الملكية الغالية بتعيينه على رأس هرم الطيران المدني في المملكة. من وجهة نظري الخاصة وبجانب ضرورة فتح سماء وأرض المملكة للخطوط الأجنبية بغرض المنافسة وتسهيل تنقل المواطنين، فإن من أهم الأولويات التي ستواجه هذا المسؤول الجديد هي المطارات السعودية وكيف يمكن تحويلها من مراكز تكلفة تشكل عبئا على الاقتصاد إلى مراكز اقتصادية تدر الأرباح والدخل. أنا هنا لا أتحدث عن إضافة أو تطوير بضعة محلات متهالكة وبائسة داخل قاعات المسافرين نسميها زوراً السوق الحرة. ولا عن تلك الرسوم التي فرضتها هيئة الطيران المدني قبل عام على كل سائق سيارة يقترب من مطار جدة. أنا أتحدث عن مطارات وأنشطة حول هذه المطارات تنتهي إلى ما يمكن أن نسميه بمدينة متكاملة بمصالحها وخدماتها يتم تأسيسها حول هذه المواقع الجديدة بل وتحمل مسميات متصلة بالمطار نفسه.

أشير هنا إلى تقرير نشرته مجلة "تايم" الأمريكية في عددها الأخير حول هذه الظاهرة. تركز الحديث عن مطار دالاس فورتورث في ولاية تكساس والذي يعتبر الأحدث في أمريكا الشمالية. تصوروا أن هذا المطار وبعد الانتهاء من تخطيطه وبنائه استقطب في دائرة لا يتجاوز قطرها خمسة كيلو مترات حوله اقتصاداً ومركزاً حضرياً تمكن من خلق أربعمئة ألف وظيفة جديدة ومتنوعة. فهنا توجد قاعات لعقد أكبر المؤتمرات العالمية وهناك فنادق ضخمة ملاصقة وهذه مراكز مقار رئيسية لشركات عملاقة وجدت المكان والحوافز ملائمة لنشاطها وبالقرب من كل هذا يوجد أكبر ملعب لممارسة القولف في المدينة قادر على استضافة البطولات العالمية لهذه اللعبة. وبالتأكيد يوجد مركز عالمي للتسوق ومدن ترفيهية تقوم بخدمة كل هؤلاء. موضوع المجلة تناول أيضاً أكبر مطار في العالم ويقع هذا المطار في بكين متحدثاً عن نفس الفكرة. غير أن الملفت أيضاً أن كاتب التقرير اختتم بمطار قريب جداً منا وأهله أشقاء لنا. إنه مطار دبي المتألق في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. أشار كاتب التقرير إلى أن شركة طيران الإمارات التي خلقت المطار بطموحها وعالميتها وحققت أرباحاً تجاوزت أرباح كل شركات الطيران الأمريكية مجتمعة هي التي أوجدت الحاجة المبكرة لبناء المطار المتوافق مع الخدمة ذات الخمس نجوم في خدماته.

الواقع أن إمارة دبي برمتها تعتمد في اقتصادها فيما يزيد عن 40% وبطريقة مباشرة وغير مباشرة على ما يحدث في المطار وبسبب المطار وشركة الطيران. نستطيع أن نقول إذاً إن هناك مدينة ضمن مدينة دبي بحجم 40% من الإمارة لم يكن سيكتب لها الحظ لولا ما حدث في المطار وشركة الطيران.

لنعد إلى الواقع والحقيقة في بلادنا التي تجاهد من أجل خلق اقتصاد متنوع يخلق فرصا وظيفية جديدة ومبتكرة. صحيح أننا قد ننجح من وقت لآخر في مواجهة هذا الوحش المرعب "البطالة" لكننا لن نتمكن من الاستمرار في الحلول الوقتية. سيعود إلينا بعد سنوات قليلة أكثر من مئة وخمسين ألف متخرج من الخارج وستولد جامعاتنا أضعاف هذا العدد من القوى البشرية ذكوراً وإناثاً إلى السوق المحلية. هل بدأنا نتساءل أين سيعمل هؤلاء؟ هذا ما يدفعني حقيقة إلى تناول مثل هذه المواضيع الحيوية التي قد يعتقد البعض أن تناولنا لها سابقاً يعد من باب الترف أو التقليد لا أكثر. أعود وأتساءل: أين نجد مثل هذا النموذج في المملكة؟ بل هل فكرنا بمثل هذا الابتكار الرائد؟ وقبل ذلك هل أمامنا خيارات أخرى؟ الإجابة على موضوع الخيارات محسوم ذلك أننا حقيقة لا نملك الكثير من الخيارات حتى لو ضاعفنا عدد مصانع البتروكيمائيات. بل إننا بأمس الحاجة إلى ذلك نسبة إلى النمو السكاني الهائل وما يحمله من تحديات مستقبلية. لا ننسى أن المركز الجغرافي الاقتصادي الكبير للمملكة يفرض علينا أن نخرج من النمط التقليدي في الاستثمارات. ولمن قد يشكك في هذا الرأي أقول له: هل أمريكا أو ولاية تكساس الغنية بمواردها النفطية الكبيرة ومصانعها الرائدة بحاجة إلى ما حدث حول مطار مدينة دالاس؟ وهل يمكنها اليوم أن تستغني عن مثل هذه التجربة؟

لو استعرضنا على عجالة مطارات المملكة فسنجد أن هناك فرصتين واعدتين لتحقيق مثل هذه التجربة الرائدة. الأولى تتمثل في مطار الملك فهد في الدمام وأرى أنه الأقرب إلى تحقيق مثل هذه النموذج الجميل التي تحدثت عنه مجلة "تايم". المطار بعيد نسبياً عن المدينة وهو مطار جديد وجميل ويحاط بأراض فارغة لا توجد بها أي حركة ويمكن استغلالها فوراً. الفرصة الأخرى هي ما سبق وأن اطلعت عليه في مخطط مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية بالقرب من حائل. موقع مدينة حائل الجغرافي في الحقيقة موقع لا مثيل له في سير الطائرات من الغرب إلى الشرق والعكس. ذلك أنها تقع تحت مسار الكثير من الرحلات دون عناء أو تغيير اتجاه كما هي حال موقع دبي التي يتطلب المرور عندها للتوقف إلى انحراف مائل إلى الجنوب قليلاً.

أتمنى أن يضع الدكتور الصقير مثل هذه الرؤى في خططه المستقبلية وأن يبدأ بدراسة السبل لتحقيق مثل هذه الأحلام الكبيرة التي بلا شك ستعود على سكان تلك المناطق بالخير الوفير وتؤمن لاقتصادنا العديد من التنوع الذي نفتقده اليوم. لو فعل ذلك فسيدخل إلى تاريخ التنمية السعودية من أوسع أبوابه. هناك بالطبع حاجة إلى التنسيق مع وزارة التخطيط والاقتصاد الوطني، هذا إن كانت هذه الوزارة مهتمة بالتخطيط الاستراتيجي، لتقوم بدعوة كل الأطراف ذات العلاقة بدءاً من إمارات المناطق وكافة الجهات الحكومية المتصلة. إضافة إلى ذلك وهذا هو الأهم دور الوزارة في تذليل العقبات التي قد تقف عائقاً أمام أصحاب رؤوس المال. تجدر الإشارة إلى أن ما حدث في تكساس هو في الواقع ترجمة لفكرة استثمارية قام بها مطورون عقاريون وتجار كل فيما يخصه ولم تساهم الحكومة إلا ربما في تأمين البنى التحتية فقط. لذلك وما لم يتم وضع دراسة اقتصادية تحمل معها الوعود بالأرباح للمستثمرين فإنه لن يتحقق شيء. مطالباتنا من الحكومة إذاً تتلخص في مساعدة المطورين وتذليل العقبات. مطالباتنا كرجال أعمال أن لا نضطر إلى السفر للخارج لحضور المؤتمرات والندوات والمعارض العالمية المتكررة كثيراً.

أخيراً ماذا لو أن مدينة الرياض وأربع مدن سعودية أخرى وبعد تطوير مثل هذه الأفكار بدأت تحتضن عشرين معرضاً في السنة بحجم معرض الكتاب الدولي؟ أو بحجم معرض الغذاء العالمي؟ ما حجم النمو الاقتصادي الذي سينتظر القطاعات المتصلة بهذا النشاط؟ ما الذي سيطرأ على مستويات دخل الأفراد في هذه المدن؟ وهل سنفكر عندئذ وبالكثير من القلق بالبطالة وهمومها كما نفكر به اليوم؟