لا نريد تصريحات ولا مقابلات ولا كتاب أعمدة ولا إعلانات ولا لقاءات تلفزيونية، نريد فقط تقارير فصلية ثم سنوية للجامعات السعودية من أجل الوقوف على حقيقة سير العمل فيها وبدون مجاملات أو حملات إعلامية، تقوم بها إدارات العلاقات العامة في الجامعات، نريد أن نتعرف على مستوى العمل في وحداتنا التعليمية في الأقسام وفي الكليات ثم الجامعات، نريد تفسيرا لحقيقة ما يتم في هذه المؤسسات لحصر حصيلتنا الوطنية في نهاية المطاف بتقرير سنوي لأداء مؤسسات التعليم العالي.

لقد كثرت الإعلانات المبوبة في الصحف بمئات آلاف الريالات للتغرير بنا بما يسمونه العالمية لمجرد التحاق بعض الجامعات بمجلس إدارة في منظمات غير عالمية، وكثر المتغنون ومن يحاضر علينا عن العالمية واقتصاديات وصناعة المعرفة وعن الاستثمار في الإنسان وبالترتيب العالمي الذي لا تقيم له الجامعات في الدول المتقدمة وحتى النامية وزنا، لأنها فرقعات إعلامية ليست مبنية على نظام مسح شامل أوعلى معايير علمية بحثية يمكن قياس نتائجها بدقة، لكن تلك الترتيبات يقدمها باحثون جلبوا بها ملايين الدولارات من بعض جامعاتنا لتحسين مواقعها الإلكترونية التي لا تستحق الملايين. ثم جاء "الشنق هاي" ليشنق الجامعات بالمشنقة وبمصطلحات مضخمة يتلقاها من يريد تضليلنا بما حققوه من تميز وإنجاز عالمي غير حقيقي ولا يليق بالجامعات هذا التضخيم للذات. ولا يمكن لعاقل أن يقبل أن تتحول المعايير لتحسين الصورة على حساب الجوهرلعدم مصداقية تلك التقارير. ولمن يريد حقيقتها فليطلع على الدراسات والأبحاث الكثيرة في مراكز أبحاث التعليم العالي الدولية التي ترصد بدقة ما يتم من تطورات ومتغيرات واتجاهات في دول العالم المختلفة والتي لم تسمح لنفسها بأن تصدر تقارير رغم أنها هي الجهات المختصة. وبقي علينا أن نضع تقريرنا نحن إذا كنا واثقين من أعمالنا ومؤسساتنا أكثر من ثقتنا بالأجنبي.

لقد رفضت جامعات ودول كثيرة أن تشارك في دراسة قامت بها مؤسسة "كارنقي" الأمريكية عن المهنة الأكاديمية (academic profession) التي تناقش كل ما له علاقة بأساتذة الجامعات، وقدراتهم وتأهيلهم، وإنتاجهم العلمي، وجهودهم البحثية، وأدائهم المهني، وإنتماءاتهم الفكرية، والحرية الأكاديمية، وعلاقاتهم بالمؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث، والجمعيات المتخصصة، وبالمجتمع والقطاع الخاص ومؤسسات الإنتاج الصناعي والاقتصادي إلى غيرها من العناصر التي تتعلق بمهنة أساتذة الجامعات الذين هم النخبة، ولب العمل الجامعي الذي يجب أن تركز الإدارة الجامعية على تأهيلهم المستمر لتحقيق أعلى مستويات التدريس والبحث العلمى والابتكار والإبداع والمبادرات والخدمة الاجتماعية.

إذاً ما هي التقارير التي نطالب بها؟ نريد تقارير عن كل جامعة سعودية حكومية أو أهلية تشمل الإحصائية لجميع الكوادر الأكاديمية ومؤهلاتهم ورتبهم العلمية وجهات تخرجهم ومميزاتهم وإنتاجهم العلمي وما يقومون به من جهود. نريد أن نعرف نوعية الطلاب حسب التخصصات ونسبتهم لكل عضو هيئة تدريس ومستوى تحصيلهم، نحتاج إلى تحليل للخطط الدراسية ونوعية المقررات ومحتوياتها وكيفية تحديثها، وهل تتوفر الكتب التعليمية؟ نريد أن نطلع على نوعية الاختبارات وأدوات القياس التي تستخدم في الحكم على الطلاب ومدى ملاءمتها للمقررات التعليمة. نريد أن نعرف كيف تستخدم نتائج الاختبارات في تقييم عناصر العملية التعليمية وتشخيصها ومعالجة مواطن الضعف التي توضحها الاختبارات حتى نعرف مصداقيتها والتزامها بالمعايير العلمية، فالأغلبية منها لا تنطبق عليها أبسط شروط الاختبار ولا تشمل المهارات والمعارف والقدرات المختلفة. ثم ما هو مصير آلاف الطلاب المتسربين من الجامعات بعد أن أمضوا سنوات فيها وانتهوا في سلة البطالة التي تتضخم يوميا؟ نريد أن نعرف عن النشاطات المنهجية وغير المنهجية التي تقدمها للجميع.

نريد أن نعرف كيف تدار مؤسسات التعليم العالي؟ وماهي المعايير المتبعة في اختيار الكوادر الإدارية ومدى كفاءتها وتطويرها وتأهيلها للعمل الذي تقوم به؟ نريد أن نطلع على الاستراتيجيات وكيفية تنفيذها ومدى تحققها. نريد أن نعرف اتجاهات البحث العلمي ومجالاته في جامعاتنا وارتباطه بخدمة المعرفة والتنمية المحلية والوطنية، وهل هناك خطط للبحث العلمي على مستوى الجامعات وعلى المستوى الوطنى، أم أنه عمل عشوائي لا يصب في غاية معينة ولايرتبط باحتياجات سوق العمل أو التطور المعرفي والعلمي في التخصصات المختلفة. نريد أن نعرف لماذا هناك مراكز أبحاث لا ميزانيات لها؟ نريد أن نعرف مدى ملاءمة المباني للحاجات التعليمية والضوابط التي تستخدم في تهيئة القاعات والمختبرات والمعامل ومراكز الأنشطة والخدمات؟ وأخيرا نريد أن نعرف لماذا جامعاتنا تعمل وكأنها جزر متناثرة لا ترتبط ببعضها إلا في الشيء القليل. نريد أن نعرف كيف تصرف الميزانيات في الجامعات؟ وكيف تحرك بنود الصرف والسلف في الميزانيات ولصالح ماذا تصرف؟ نريد ممن تحولت إداراتهم الإعلامية إلى وزارات إعلام في داخل الجامعات ووسائل إعلام احترافية في التلميع ووكالات أنباء ومراسلين ومتطوعين ومستشارين وخبراء وكتاب مرتبطين بمؤسسات التعليم العالي أن لا يقوموا بحملة ضد هذا الطرح، وضد التقارير الداخلية والتقييم الذاتي، بدلا من التقارير السنوية التي تقدم لبعض مجالس الجامعات ضمن ما يستجد من أعمال. نريد أن نعرف ماذا حققت جامعاتنا على المستوى الداخلي؟ نريد وبصراحة أن تدلنا التقارير على العلاقة بين الجامعات ومخرجاتها المختلفة والإحتياجات الحقيقية لسوق العمل ودورها في ترشيد مشكلة البطالة. أخيرا، إذا كنت لاتدري فقم بدراسة، وإن كنت تدري فالتقارير فاشله!