الريادة للمريخي أم لآل عبدالمحسن؟ سؤال يرهق المسرحيين
نورة يوسف ـ الفتاة الصغيرة ابنة الـ12 عاما ـ كانت خلال الثلاث السنوات الماضية وعبر 3 عروض مسرحية شاركت فيها تفاجأ بتحلق المخرجين والمؤلفين كما الممثلين حولها في مدينة الدمام ومملكة البحرين، وطلبهم رقم هاتفها المحمول، حتى يتمكنوا من إشراكها في عروضهم المسرحية، لما أظهرته من براعة في الأداء على خشبة المسرح. وهي على الرغم من حصولها على جائزتين في ثلاث مسرحيات فقط، حصلت على جائزة أفضل ممثل في مسابقة مسرح الدمام للعروض القصيرة من بين 13 فرقة مسرحية، وجائزة أفضل ممثل واعد في مسابقة الطفل المسرحي في الدمام، والتي تنظمهما جمعية الثقافة والفنون في الدمام، ورغم كل هذا التفوق، إلا أن نورة اتجهت للتقديم في الأماكن الترفيهية والإذاعة لسبب بسيط، وهو أن من وعدوها بالاتصال والاستعانة بها في أعمالهم لم ينفذوا من وعودهم شيئا يذكر، وهي في هذا الصدد أوضحت لـ"الوطن"، أنها لم تتلقَ أي عرض مسرحي، رغم أنها لا تمانع في تقديم عروض للأطفال أو الكبار، كاشفة عن أن حلمها هو "الظهور على شاشة التلفزيون".
غياب الوعي المسرحي
معاناة نورة يوسف السابقة، هي جزء من مسلسل طويل من الإهمال يطال مسرح "الأطفال"، وهي معاناة أحد أهم أسبابها غياب الوعي بأهمية مسرح الطفل، وغياب المختصين، بحسب الدكتور عبدالله آل عبدالمحسن، والذي يرى أن مسرح الطفل "يحتاج لتخصصات فكرية وعلمية"، مشددا على ضرورة أن يكون "وعي العاملين في حقل المسرح وعيا حقيقيا، لا أن يصاغ بما يخدم مصلحة فكر، أو مصالح فئة معينة، أو للربح المادي"، منتقدا غياب المسارح المهنية المهيأة للطفل في المملكة، ولذا فإن هذا المسرح وبواقعه الحالي "يمر بأزمة تأثرا بما فرضته الظروف والتحديات، التي يواجهها المسرح بشكل عام، ومسرح الطفل على وجه الخصوص، من نقص في الموارد والتجهيزات والمسارح، كما يعاني أيضا من الضعف والقصور، وعدم الثراء في البنية المنهجية والتنظيمية والتنفيذية لدرجة أن أصبح الحديث عن مسرح الطفل حبرا على ورق"، بحسب آل عبدالمحسن.
المسرح الخلاق
من جهته، أكد المسرحي عبدالعزيز السماعيل وجود مسرح للطفل مستمر ومتواصل في عمله في مختلف مناطق المملكة، ولكن السؤال الأهم في رأيه: "هل يقام هذا المسرح أو ينفذ حسب المعايير الفنية لمسرح الطفل، والاشتراطات النفسية والسيكولوجية في عالم الطفل، وهل يقدم بطريقة صحيحة، وفي أماكن أو مسارح مناسبة للطفل؟"، مجيبا على تساؤلاته هذه بقوله: "أعتقد أن الإجابة على ذلك هي، لا بالطبع". السماعيل ورغم انتقاده هذا، إلا أنه يشدد على أنه "لابد من الاعتراف بأن هناك جهودا مميزة لمسرح الطفل في عنيزة، والطائف، والأحساء، والدمام"، مشيدا بالتجربة التي قدمتها جمعية الثقافة والفنون بالدمام، والتي نظمت "مسابقة فريدة مخصصة لمسرح الطفل، أو ما يسمى علميا بالمسرح الخلاق. بحيث يؤدي الأطفال بالكامل جميع عناصر العرض، وهي تجربة تحسب لإدارة الفرع والقائمين على المسرح فيه".
تجربة جديدة
ولكن، ماذا عن جمهور الحضور من الأطفال، ذلك الجمهور المستهدف من خلال هذه العروض المسرحية، والمتفاعل معها، في ثنائية قال عنها مقرر لجنة المسرح بجمعية الثقافة والفنون في المنطقة الشرقية، زكي الدبيس: إنها ردة "أمر لا يوصف"، وذلك لإيجابيتها، حيث كانت "الابتسامة مرسومة على محيا الأطفال. وهي التجربة التي جاءت بعد تقديم مسابقة خاصة بالطفل على خشبة المسرح، لمن هم دون سن الرابعة عشرة، لأن هذه الفكرة تعتبر رائدة من نوعها في المملكة"، شارحا أن أهداف هذه الخطوة "الدخول للمجتمع من خلال الأطفال، والمساهمة أيضا في الترويح عنهم، ودمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بمشاركتهم في الحضور، وتمثيلهم على خشبة المسرح".
دعم محدود
هذه التجربة "الناجحة" برأي الدبيس، كان من الممكن أن تعزز لو كان هنالك دعم وتهيئة أكبر، محملا فروع جمعيات الثقافة والفنون، ووزارة التربية والتعليم المسؤولية في تهيئة الأجيال القادمة، و"محاولة تقديم الشيء المفيد للطفل، من خلق الأجواء المسرحية عند الأطفال، وكذلك محاولة التطوير في المستقبل، معتمدة على تفاعل الجميع"، متمنيا من هذه الجهات "عدم تقديم الأمور المادية، على حساب مستوى العمل المسرحي، لأنه عند حدوث ذلك، سوف تساهم هذه الجهة أو تلك، في تدني مستوى فكر الأطفال، وفي تلقيهم لهذا النوع من المسرحيات منخفضة المستوى"، معتبرا أن "هؤلاء الأطفال يتحمل الجميع مسؤوليتهم".
جدلُ الريادة
الطفل ومسرحه، كانا محل جدل حول من يمتلك شارة الريادة له في المملكة، بين من ينسبها لمن كان له القدم التاريخي، والأسبقية الزمنية، وبين من يرى أن الريادة لا ترتبط بالزمن، وإنما بالعطاء، والتأسيس الفعلي. الكاتب المسرحي عبدالعزيز السماعيل يرى في هذا الصدد، أنه "إذا كانت الريادة تتعلق بالأسبقية في التاريخ، فالرواد لدينا كثيرون. أما إذا كانت الريادة بالمعنى الذي تحمله في سماتها، وصفات عطائها، من جهد متصل ومتواصل، ووعي عميق بذات مجالها، وبما بذلته فيها، ومن أجلها من تضحيات، فالموضوع حينها يختلف"، مستطردا في حديثه بقوله: "كما أسمي مثلا أبوخليل القباني، وزكي طليمات، في مصر، وسوريا، ومن على شاكلتهما روادا لنا في المسرح العربي، لذات السمات والصفات المهمة، فسوف يشرفنا كمسرحيين، أي شخص يحمل تلك الصفات، بأن يكون رائدا لنا في المملكة والخليج أيضا، كما كان ولا يزال عبدالرحمن المريخي يستحق ذلك عن جدارة واستحقاق".
أسبقية للمريخي
وعن ريادة مسرح الطفل في المملكة والخليج، ذكر السماعيل: "عرفت الريادة منذ زمن بعيد لدى المسرحيين، باسم المرحوم عبدالرحمن المريخي في الأحساء، وذلك أمر موثق في الكتب والدراسات الكثيرة، التي تمت عن المسرح السعودي، منذ ما يقارب العشرين سنة، وهي كتب معروفة للجميع، مثل كتاب المسرح السعودي للدكتور نذير العظمة، وكتاب دراسات في المسرح السعودي للدكتور عبدالله العطاس، وكتاب ناصر الخطيب المعنون بمدخل إلى دراسة المسرح في المملكة العربية السعودية الصادر عام 1984، وكتاب نشأة المسرح السعودي لمؤلفه عبدالرحمن الخريجي، والصادر عام 1986"، السماعيل يستطرد في حديثه إلى "الوطن" ساردا أدلته على صحة رؤيته، مستشهدا أيضا بـ"كتاب الدكتور حبيب غلوم، من دولة الإمارات، وهو عبارة عن بحث مطول لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: تأثير المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على المسرح الخليجي، وكل تلك الكتب وغيرها من الأبحاث التاريخية والدراسات المسرحية التي لم تنشر بعد قد عرفت الأستاذ المريخي بأنه رائد مسرح الطفل في المملكة، بناء على تجربته وتميزها في الحركة الفنية المسرحية السعودية، كما كرم المريخي بصفته رائدا لمسرح الطفل في حياته، من قبل مهرجان الفرق المسرحية الأهلية لدول مجلس التعاون الذي أقيم في البحرين عام 1995".
هذه الحماسة من السماعيل لتجربة المريخي تعود لـ"تميزها بالكثير من المعطيات والخصائص، والتي تخص مسرح الطفل. حيث جند المريخي حياته الفنية كلها تقريبا في خدمة مسرح الطفل، معدا، ومخرجا، وكاتبا، منذ مسرحية (ليلة النافلة) عام 1395هـ، وحتى قبل وفاته بقليل، سواء على مستوى النص الذي استلهم فيه المريخي التراث الشعبي، ووظفه بشكل مدروس وواعي، أو أسلوب الإخراج والتمثيل الذي اعتمد فيه أساسا على الطفل". يشار إلى أن مسرحية "السندباد" للمريخي، هي أول مسرحية للطفل قدمت في الكويت عام 1398هـ.
تجارب غير مكتملة
السماعيل ورغم حماسته للمريخي، إلا أنه لا ينكر جهود مسرحيين آخرين، عاصروا الأخير وزاملوه، أمثال عبدالله آل عبدالمحسن الذي شارك المريخي في مسرحية "ليلة النافلة"، وبمسرحية "قرقيشوه"، في مسابقة الأندية بالدمام. كما أن هناك من سبق الاثنين في مسرح الطفل في المنطقة الشرقية، وهو الكاتب المسرحي علي المصطفى الذي ألف وأخرج الكثير من النصوص المسرحية للأطفال في مدينة القطيف. حيث يقول عن ذلك السماعيل: "آل عبدالمحسن والمصطفى في رأيي الشخصي لهما حق تاريخي يجب أن لا ينسى. ولكن تجربة علي المصطفى لم تبرز كما برزت تجربة المريخي، ربما لانحسارها في نطاق ضيق في القطيف. كما أن تجربة عبدالله آل عبدالمحسن انقطعت تماما، بعد تلك التجربة الأولى بسبب ابتعاثه إلى الولايات المتحدة للدراسة، بينما استمرت تجربة المريخي 30 عاما تقريبا، منذ ذلك التاريخ حتى قبل وفاته بقليل عام 1426هـ، حيث تطورت تجربته الفنية ونضجت وانتشرت، وحققت الكثير من أهدافها عبر جمعية الثقافة والفنون في الأحساء، وخارجها في المهرجانات والمسابقات المحلية التي كانت تنضمها رعاية الشباب آنذاك، وهو ما سمح للنقاد والمتابعين بالاطلاع عليها وتقييمها كتجربة رائدة، وليس مجرد بداية تاريخية".
بين عبدالمحسن والمريخي
الانحياز الذي يعتبره السماعيل "علميا" تجاه ريادة المريخي جعله ينتقد المسرحي عبدالله آل عبدالمحسن، بقوله "إن ما قام به الأستاذ عبدالله آل عبدالمحسن مؤخرا من محاولة لحذف اسم المريخي، ووضع نفسه رائدا لمسرح الطفل في المملكة والخليج، بدلا منه، حتى وإن كان يعتقد في نفسه أن له ذلك الحق، يعتبر تصرفا غير صحيح، وغير لائق، ليس في حق تقدير جهود الفنان المريخي وتاريخه الطويل فقط، بل في حق المسرحيين جميعا في المملكة الذين لا يعرفون عن آل عبدالمحسن ولا عن تجربته المسرحية شيئا حتى الآن"، مضيفا في معرض نقده هذا: "لا يجب تحميل ذاكرة المسرحيين في المملكة معنى أو صفة يفخرون بها ويدافعون عنها مستقبلا، من دون التحقق منها وتقييمها أولا، على الأقل من قبل أساتذة أو باحثين مختصين، وليس من قبل آل عبدالمحسن الذي يشهد هو لنفسه فقط"، متسائلا في حديثه لنا: "أين كان آل عبدالمحسن عندما كتب ووثق الكثيرون تجربة المريخي وصنفوها، طوال أكثر من عشرين سنة في تلك الكتب والدراسات السابقة، لماذا لم يعترض عليها في حينها؟ وهل يجوز لأي أحد كان، وفي أي مجال أن يسمي نفسه بنفسه رائدا، ويفرضه على الجميع!".
الريادة بالأسبقية
"الوطن"، وفي سياق بحثها وتتبعها للموضوع محل السجال، سألت الدكتور عبدالله آل عبدالمحسن، والذي يرى أن مفهوم الريادة يتحقق أولا بـ"الأسبقية"، كما جاء في مفهوم اللغة "من يتقدم القوم بعمل يكون رائدهم"، مؤكدا أنه "أول من كتب وألف للأطفال على مستوى دول الخليج العربي عام 1390هـ بمسرحية "حرام حرام"، على مسرح نادي النسر بتاروت. وأول مسرحية دخل بها مسابقة الرئاسة العامة لرعاية الشباب عام 1395هـ، وحازت على المركز الأولى على مستوى أندية المملكة". مفيدا بأنه "الوحيد الذي قدم مسرحيات للأطفال منذ عام 1390هـ، وحتى 1396هـ، فيما كانت بدايات مسرح الطفل في العراق والكويت عام 1398هـ، وبقية دول الخليج العربي 1399هـ". ويرى آل عبدالمحسن في الريادة أنها تحقق أيضا بـ"المواصلة بالكتابة للأطفال"، حيث استمرت كتاباته حتى بلغت 25 مسرحية، وهي الأكثر على مستوى الخليج، منوها إلى أن "أكثر كاتب مسرحي للأطفال بدول الخليج، لا يتعدى نتاجه عشر مسرحيات"، مطالبا بـ"الرجوع إلى الصحف الخليجية".
ويرى آل عبدالمحسن أن "الجودة في العمل المسرحي عنصر ثالث للريادة، وبها حصلت غالبية مسرحياته على المركز الأول في مسابقات المدارس والرئاسة العامة لرعاية الشباب"، وبها يؤكد تثبيت الصحفيين، والممثلين القدامى، والكتاب ريادته لمسرح الطفل، كما تم تكريمه من قبل وزراء الإعلام بسلطنة عُمان، وقطر، ومملكة البحرين، والكويت، والسعودية. وقد نضجت كتابات آل عبدالمحسن ـ على حد قوله ـ عام 1394هـ في مسرحيات منها "حكاية الصياد محمود"، "الفيل والنملة"، "الشراك"، "الغواص"، "خادم الموالي"، "ملك الغابة"، "الكنز"، "المغامر"، "الكراز"، "الوحش".
الفيصل في البحث
وبغية الحسم بين وجهتي نظر عبدالعزيز السماعيل، وعبدالله آل عبدالمحسن، رأى رئيس "جمعية المسرحيين السعوديين" أحمد الهذيل أن "الوصول إلى المعلومة المقنعة بالإضافة إلى الاستشهادات من الكتب والأبحاث والدراسات" هو الأساس في البحث، وفي ترجيح رأي على آخر، معتبرا أن كلا الاسمين ـ المريخي وآل عبدالمحسن ـ قد "قدما مسرحا للطفل، وأنهما رائدان يستحقان الاحترام"، كاشفا عن أن "الجمعية بدورها قامت بمخاطبة القطاعات التي ينتمي لها الكاتبان، في الأحساء والدمام" لبحث الموضوع، وبالتالي "ستشكل لجنة محايدة لدراسة ما يصل من تقارير، وسيرة ذاتية متكاملة للطرفين لمعرفة من المؤهل والمستحق أن يكون رائدا، ومن ترك عملا له الأثر في الساحتين المحلية والخليجية"، مشددا على ضرورة أن "لا نستخدم عواطفنا تجاه أي شخص، لأنها عملية إبداع فكري، وعملية أدبية محضة"، منوها إلى أنه "لا يحق لأي شخص أن يقيّم نفسه، بل الجهات والمرجعيات هي التي تحدد صاحب الأولوية".