لماذا هذا البون الشاسع بيننا وبين لغتنا العربية الفصحى!؟ ندرك ذلك جيدا حين نقرأ القرآن الكريم الذي أنزل منذ أكثر من 1432سنة، فيتحول فعل القراءة لدى كثير منّا إلى أداء صوتي لا فكري، فكثيرون لا يفهمون من كلماته ولا سياقاته إلا بالرجوع إلى معجم الكلمات والتفاسير! فلا صلة ولا تواصل مع عربية مكتوبة لا منطوقة، عربية معاريض وخطابات وخطب جمعة ومؤلفات، لا عربية حياتنا اليومية، حتى حين أقرأ الصحف اليومية،أسأل: هل هذه اللغة نحنُ ما نزال أصحابها ؟! هذه اللغة التي لا أعلم إن جنى عليها أم لا سيبويه حين قرر تقعيدها أم تعقيدها عن أستاذه الخليل بن أحمد الفراهيدي منذ ما يقارب 1350 سنة، اللغة التي عقّدت طلاب وطالبات المدارس فباتت القواعد أصعب الحصص وأكثرها مللا وجمودا! بل تكاد الإنجليزية تكون أكثر متعة والرياضيات أكثر سهولة منها!؟ أما مدرسو العربية وأساتذتها الجامعيون دائما ما تُصورهم الدراما والسينما شخصيات هزلية وتقليدية غير عصرية بل ومتخلفة فكريا بسبب تجمدهم عند سيبويه وقواعده!؟ لا شك أن في ذلك دلالة وإن كانت ظالمة ولا أراها على شخصية اللغة ذاتها حتى بات من يريد أن يتصف بالعصرية يستبدلها بالإنجليزية ليتعامل بها، وكثيرون حولنا من هذا النوع!؟ .
هل ما ذكرته هنا يعني أن اللغة العربية وقواعدها السيبويهية أدت إلى أن تعاني اليوم من "زهايمر" أي تدهور في ذاكرتها الفكرية وتثاؤب عقلي جعلها جامدة في استيعاب لغة العلم والعصر والتقنية، انظروا إلى ما حولكم من آلات وأدوات ووسائل، تجدوا أننا نستخدم أسماء غير عربية لها! انظروا للغة العلوم الحديثة الطبية والكيميائية والفيزيائية والحاسب الآلي وغير ذلك! لماذا نذهب بعيدا؟ انظروا إلى التخلف العربي الفكري الذي تعيشه مجتمعاتنا اليوم، إنها تحارب كل من يفكر وتصادره، حتى وإن بات بعض العرب يفيق من حالة الغيبوبة الذهنية التي حطت على مجتمعاتهم منذ أواخر القرن الـ 4 الهجري وسقوط الدولة العباسية! فلا تبدو لي هذه الثورات إلا ميلادا جديدا لغيبوبة أخرى قادمة ما لم يتحرر الوعي الفكري ذاته من دموية التاريخ العربي، فكم من ثورة وحروب عاشتها المجتمعات العربية منذ أكثر من 1000 سنة.. هل تغير شيء ؟! إنها ثورات تنجب دكتاتورا إثر دكتاتور نتيجة الأنوية المركزية العربية التي حتى الآن تحتاج لثورة كي تقتلع من حيز العقل العربي وتعيش "نحن" الإسلامية الإنسانية، ولطالما أقول، لن يتحرر العرب سياسيا ويجنوا ثمرات وعي الديمقراطية ما لم يتحرر تفكيرهم من دماء ثوراتهم عبر التاريخ! فالعرب بحاجة إلى ثورة تحفظ الأرواح وتعرف قيمة حياة الإنسان لا ثورات تؤمن بقتل الإنسان ليكون ثمنا للحرية وتقدمه ضمن ضحاياها على أنهم شهداء كي ترخص حياة الإنسان في نظرنا! ألا تلاحظون أن حياة الإنسان العربي باتت رخيصة وأصبحت كلمة شهيد تستخدم أكثر فأكثر..!؟
ليس هذا موضوعي، بل العربية كلغة إنسان، وما أثارني للكتابة عنها هو موضوع ملتقى قراءة نص الذي ينظمه النادي الأدبي بجدة ويبدأ غدا الثلاثاء إلى الخميس، حول "اللغة والإنسان" وهو موضوع بالغ الأهمية، فقد بدت لي العربية تعاني من "الزهايمر" وتدهور فكري! فما السبب؟ وهل سيبويه جنى عليها بقواعده أم على الفكر العربي بقواعده؟ غدا أكمل.