"ليس كل ما يبرق ذهباً، وهل كان هناك بريق يلمع مثل بريق تاج (الجزيرة) الذي اكتشف الجميع أنه مجرد سلطانية". لم تكن تلك الجملة سوى بداية "تحقيق" شهير، نشره ملحق "الأهرام على الهواء" الأسبوعي، الذي تصدره صحيفة "الأهرام" القاهرية العريقة، والذي فجر أزمة كبيرة بين وسيلتي الإعلام الشهيرتين في العالم العربي، لتنضم إلى ملف آخذ في التضخم، يحوي أزمات متتالية، تندلع بين حين وآخر بين القاهرة والدوحة، على خلفية تنافس سياسي وإعلامي متصاعد. في التاسع من يونيو الماضي، فوجئ المجال الإعلامي المصري ب"التحقيق"، الذي نشر تحت عنوان "جزيرة التحرش"، متضمناً الكثير من الهجوم على فضائية "الجزيرة"، ومفسراً استقالة خمس من مذيعاتها الشهيرات بأسباب تتعلق

ب"أجواء تحرش" في القناة، من دون أن ينسب تلك الأقاويل إلى مصادر معلنة. وقبل خمسة أيام أعلنت "الجزيرة" عن رفع دعوتين قضائيتين ضد "الأهرام"؛ إحداهما في المملكة المتحدة، والأخرى في القاهرة، مطالبة بتعويض يبلغ خمسة ملايين جنيه إسترليني، ومعتبرة "أن محرري (الأهرام) لن يستطيعوا إثبات الاتهامات المشينة التي نسبوها للقناة ومديرها ونائب رئيس تحرير الأخبار فيها، مما سيوقعهم تحت طائلة عقوبات اقتراف السب والقذف"، و"سيسهل إدانتهم والحصول على تعويض". تبني "الجزيرة" خطتها على الحصول على حكم قضائي ضد "الأهرام" في المملكة المتحدة، بدعوى أن الصحيفة لها نسخة دولية تصدر في لندن، وتحوي الموضوع محل النزاع، وهو الأمر الذي نفاه رئيس تحرير "الأهرام" أسامة سرايا في تصريحات خاصة أدلى بها إلى "الوطن" أمس، قائلاً: "ملحق الأهرام على الهواء ملحق محلي، يصدر في مصر فقط، ولا ينشر على الإنترنت، ولا يوزع خارج البلاد". لكن سرايا حرص في حديثه إلى "الوطن" على الميل إلى التهدئة مع "الجزيرة"، معتبراً أن النزاع بين الوسيلتين الشهيرتين "مفتعل"، و"لا يجب أن يكون موضوعاً للتقاضي في لندن"، ومشيراً إلى "علاقة جيدة تربطني شخصيا بالقناة وعدد من العاملين فيها، وخصوصا أنني أحترم مهنيتها وأقدرها تقديرا كبيرا". الميل إلى التهدئة كان أيضاً واضحا في حديث مسؤول الملحق عاطف حزين، الذي أبلغ "الوطن" أنه بصدد توسيط الشيخ يوسف القرضاوي لحل الأزمة، وأنه طلب إجراء حوار مع مدير القناة وضاح خنفر، فضلا عن أنه نشر موضوعاً في الملحق تحت عنوان "الجزيرة أفضل قناة إخبارية في الشرق الأوسط حسب استطلاع رأي"، بعد أسبوع من نشر "التحقيق" الذي فجر الأزمة. ويبدو أن رئيس تحرير "الأهرام" على استعداد ل"تصويب" المعلومات التي نشرت في "التحقيق"، أو كما أكد ل"الوطن": "أنا ميال لمعالجة الموضوع بموضوعية ومن دون إثارة، حرصا على مصلحة الوسيلتين"، وهو الأمر الذي لم يرد عليه أي تعقيب من "الجزيرة". وقال مصدر من "الجزيرة" ل"الوطن" إن المحطة "ستسعى إلى الحصول على حكم قضائي يظهر المخالفة التي وقعت بحقها، وبعدها يمكن أن تنظر في التنازل أو المصالحة". ولم تكن أزمة "التحرش" أولى الأزمات بين الإعلامين المصري والقطري على خلفية التضاغط المتصاعد بين البلدين في عدد من الملفات السياسية؛ إذ تتهم القاهرة الدوحة ب"تسخير القناة للهجوم على سياسات الدولة المصرية من دون وجه حق"، فيما تتهم الدوحة القاهرة ب"شن هجمات مماثلة عبر وسائل الإعلام المصرية الرسمية". وكانت أزمة أخرى قد اندلعت بين الجانبين يوم افتتاح بطولة كأس العالم المقامة حالياً في جنوب أفريقيا، حين حدث تشويش على بث مباراة الافتتاح، اعتبره مسؤولون قطريون "تشويشاً متعمداً"، فيما نفت إدارة القمر الاصطناعي المصري "نايلسات" أي مسؤولية لها عنه.