حينما تكون العلاقة صادقة بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والجار وجاره، والحاكم والمحكوم، فإنه لا بد وأن يكون وراء هذه المشاعر الإنسانية قائدٌ قدوةٌ يغرسها في وجدان مجتمعه، فيضحي الشعب كله كلمة واحدة ولُحمة واحدة وقلباً واحداً يضخ دماً نقياً في شرايين الأمة.
هذا الفعل لا يقدر عليه قائدٌ إلا أن يكون مؤمناً بمسؤولياته تجاه شعبه، صادقاً في قوله، نقياً في مشاعره؛ ولا غرابة في أن تجلب هذه الصفات لصاحبها محبة الله، فيحبه الناس جميعا.. وعندما يرجو ملكٌ شعبَه ألا ينعتوه بملك القلوب، فإنما هو من أسباب رفعة الله له لتواضعه، فيزداد الحب حباً.. لكن السؤال: من هو الملك الذي يتنازل عن هذا الحق في عصرٍ امتلأ بالألقاب بغير حق.
هذه الصفات هي صفات ذلك الوجه العربي الذي تشدك ملامِحُه الموسومة بصدقِ، ونبل، وجود، ونخوة الرجل الأصيل؛ فما إن تستمع إليه حتى تنصت إلى كلماتِ ملكٍ يقودُ شعبَه إلى مَصَاف حضارات الشعوب.. ملكٌ، تنظرُ إليه فلا تـَمَل.. تشعر أنه قريبٌ منك، يعيشُ في وجدانِك، وأنك قريبٌ منه، تعيش في جوارحِه ويعيش من أجلك.
مهما مَلَك الإنسانُ من المالِ، والجاهِ، والسلطانِ، وسحرِ البيان، إلا أنه لا يستطيع أن يملكَ بها قلبَ شخصٍ واحد، إلا أن يكونَ هذا الإنسانُ مزيجاً من عدلٍ وحزمٍ وحبّ وحنان.. إنه الملك بن الملك بن الإمام، عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن.. خادم الحرمين الشريفين الطاهرين.
إن تلك القرارات الملكية الأبوية التي تدفقت في أوردة الوطن لكفيلة بأن تبني الإنسان بمختلف طبقاته وفئاته المتلاحمة، لتستمر حياتهم ومسيرتهم وأهدافهم داخل سفينة واحدة ومصير واحد.
إنني أهنيء وطني بمليكه الصالح، وأقول للشعب: أيها الشعب الأصيل، هامتك هامات النخيل، لك مجدٌ لك سيفٌ وصهيل، ومليكٌ فائق الوصفِ نبيل، فدَعِ الناعق ينعق، وكذا المسعور الذليل.
وبينما كنت أكتب مقالي هذا، جاءتني رسالة قصيرة من الشاعر المبدع يحيى عبده واصلي، يشارك بها فرحة الوطن بمليكه فيقول:
أهلا (أبا متعب) شرّفتمُ الوطنا
كالصقر مهما نأى يستشعِرُ الوكنا
ودّعتنا ألماً.. لكن غدا أملا
ما أتعس العمر إن لم يألف الشجنا
يا مؤمناً نُسِجت بالخير سيرته
عطرت أجواءنا حباً وعَيْشَ هَنا
تفديك أرواحُنا في كلّ معتركٍ
إذا طغى البحرُ صرنا حولك السفنا
في القلبِ تسكنُ.. في أنحاءِ أوردتي
في كلّ جَسّةِ نبضٍ أحسبُ الزمنا