على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر المنطقة العربية بعمومها، إلا أن عشاق المعارك الوهمية مع الآخر "الضد الفكري"، ومدمني الفلاشات الإعلامية، لا يهدأ لهم بال، ولا يأبهون بأهمية توحيد الصف الوطني ضد أي أخطار تتهدده، فالمتابع لطروحاتهم منذ عشرات السنين يشعر بأن همهم الوحيد تشطير المجتمع إلى "مع وضد"، وذلك من خلال اختراع التقسيمات الاجتماعية والفكرية، وتصنيف المخالفين لهم في الآراء إلى "صالح وطالح"، حتى وإن كان ذلك المخالف يتحدث عن علم عميق وتجربة كبيرة, وبالطبع هذا لا يشمل السجال الفكري الراقي البعيد عن الإسفاف اللفظي حول أي قضية، فهو دليل على وعي اجتماعي وثقافي متنام، فمن المعروف أن فترات الهدوء والرخاء الاجتماعي في التاريخ الإسلامي شهدت ظهور أبرز الحركات الفكرية والجدالات العميقة التي أنتجت آلاف الكتب والرسائل العلمية.

وفي حالتنا التي أقصدها هنا أن هؤلاء "المشطرون" لم يراعوا حتى الظروف الحالية التي تلزم الجميع بوحدة الصف، بل إنهم وبانتهازية غير مسبوقة، حاولوا توظيف الأوامر الملكية الكريمة بدعم حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمؤسسات الدعوية في صراعهم الوهمي مع الآخرين الذي يختلفون معهم في بعض الآراء القابلة للأخذ والرد، حيث يستميتون في إقناع القارئ، وفي مداخلاتهم على بعض القنوات الفضائية، بأن هذا الدعم "وجه صفعة للآخرين" حسب تعبير الكثير منهم، مما يوحي لمن يستمع أن الدولة لم تكن تدعم المؤسسات الدعوية بشكل كاف، وهو افتراء تكذبه أرقام الميزانيات السنوية، والأنشطة الخيرة لهذه المؤسسات. كذلك هي محاولة أقرب إلى الانتهازية لإدخال الدولة بمؤسساتها الرسمية في حلبة صراعهم الوهمي مع ابن الوطن الآخر. بل وصل الأمر إلى أن يحاول أحدهم الانتصار للذات بعد جدالات إعلامية كثيرة بينه وبين بعض الكتاب والمثقفين في قضايا فكرية مختلفة، ويحاول استغلال الحدث الحالي، لتوزيع التهم وتخوين كل من خالفه الرأي، في محاضرات عامة، يحضرها الكثير من فئات المجتمع التي ربما لم تعرفه ولم تعرف خصومه ولا على ماذا يختصمون؟. ولكن حديثه من طرف واحد قد يزرع في أذهانهم موقفا أحاديا تجاه الآخرين وخصوصا تجاه المثقفين والمفكرين السعوديين بعمومهم، حتى أولئك المثقفين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صراع "التيارات" حول قضايا في مجملها هامشية ضُخمت في بعض الأحيان لـ"سد الفراغ" وربما تزجية الوقت، وفي آحايين أخرى حبا في الأضواء وتقمص أدوار "المناضلين" بحثا عن صفوف المصفقين.

حقيقة أتمنى أن يصدر قرار يحمي جميع أبناء الوطن الذين ثبت إخلاصهم لوطنهم وعدم مزايدتهم على وحدته، من أي تطاول لفظي أو عملي، لأن هذا مما يعزز الوحدة ويسد أي ثغرة يحاول الواهمون الدخول منها لشق الصف الوطني.