منذ أسبوعين تقريبا كتبت في جريدة الوطن "صالحة"؛ الحاصلة على درجة الماجستير؛ التي طارت من الفرح بعد تخرجها؛ لاعتقادها أنها ستجد وظيفة محاضر بإحدى الجامعات التي تقدمت إليها؛ إلا أن مسؤولي تلك الجامعة ردوا عليها بعبارة "لا احتياج"، بينما يدرس تخصصها متعاقدات غير سعوديات؛ ولهذا باتت شهادتها بحسب قولها "مشؤومة"؛ وما كتبته صالحة يلقي الضوء على مشكلة الكثيرين أمثالها ليسوا فقط حاملي الماجستير؛ بل حتى الدكتوراه؛ في كل الجامعات السعودية؛ ولا شك أن الفساد الإداري الأكاديمي يلعب دورا كبيرا في هذا الأمر؛ فمع الأسف وأقولها بمرارة؛ المحسوبيات والمجاملات تلعبان دورا كبيرا في مجال التوظيف الأكاديمي بالجامعات السعودية؛ فثقة من الدولة أعطت الجامعات صلاحيات لا تُعطى لبقية الوزارات في اختيار موظفيها الأكاديميين؛ بحجة عمل اختبارات المفاضلة والمقابلات الشخصية؛ وهذه الأخيرة كفيلة بأن يتفق "شلة" أكاديميين؛ ليتكفلوا بفلانة أو فلان أقل كفاءة علمية لكنه قريب من د.فلان؛ فيدفعونه لوظيفة "معيد" دفعا؛ لأن"الشللية" الأكاديمية لديها قدرة "مطاطية" تتحكم بمعايير توظيف المعيدين؛ ومن الممكن ببساطة تعقيد هذه الفرص أمام الكفاءات المستحقة لهذه الوظائف لمجرد أن هذا الطالب أو هذه الطالبة من المحسوبين على تيار فكري أو لمزاجية مناطقية أو قبائلية أو لأنه ليس لديه "ظهر" يعمل في الجامعة؛ فتتفاجأ باستحداث عيوب "مضحكة/ مخجلة" وربما مظهرية ليتم استثناء الأول على الدفعة كمعيد وإحلال من عليه "العين" من أقرباء العاملين في الجامعة ذاتها!!
إن من أسوأ أنواع الفساد هو الفساد الأكاديمي؛ لأن عواقبه تمتد إلى خارج حدود الجامعة؛ كونها المسؤولة عن مخرجاتها لسوق العمل في القطاعين الحكومي والخاص؛ ولكن لأن اختيارات بعض الأكاديميين بنيت على مصالح ومحسوبيات لا على كفاءة؛ حتما سيؤثر هذا على طلابها وطالباتها وما يعانيه من ضعف سينقله لهم؛ ويجرنا هذا إلى الفساد التعليمي، ومن ثم إلى فساد سوق العمل؛ وهو ما يمارسه أكثر الأكاديميين اليوم؛ لماذا !؟ فبعضهم يفضلون حضور المؤتمرات أسبوعيا والعمل كمستشارين على حساب محاضراتهم في الجامعات؛ حتى بات الطلاب والطالبات لا يرون أساتذتهم إلا حين يصبون في رؤوسهم عشر محاضرات خلال محاضرتين؛ والفساد الأسوأ يحصل حين يتعامل بعض الأكاديميين بمزاجية مع طلابهم وطالباتهم لا على أساس علمي، ويمارسون جبروتهم مستغلين الثقة في أخلاقيات المهنة الأكاديمية فلا أحد يدقق خلفهم؛ وقد عانى أكثرنا من هذه النماذج الفاسدة.
أسوأ أنواع الفساد الأكاديمي الإداري هو حين يؤدي إلى حرمان كفاءات متميزة من الحصول على فرصها التي تستحقها في العمل الأكاديمي بسبب مزاجية قبلية أو مذهبية أو محسوبيات ومجاملات أكاديمية، لتعبأ بآخرين أقل كفاءة وبكل رداءة ووقاحة؛ ولهذا لا تستغرب كثيرا أن تجد بين من يشغلون بعض وظائف المعيدين والمعيدات والعاملين في الجامعة ذاتها قرابة عائلية؛ ففلان زوج ابنة الدكتور علان أو فلانة ابنة الدكتور فلان!! كيف!؟ لا تعرف!! واليوم وبعد تأسيس هيئة وطنية لمكافحة الفساد؛ آمل أن تضع هذا الملف ضمن أجندتها؛ ما دمنا نبحث عن أجيال نستثمرها في سوق العمل للغد؛ خاصة أنه لن يأخذ كثيرا من وقتها؛ فما عليها سوى التدقيق في ملفات الموظفين والموظفات الجدد والقدماء؛ وتقارن بين الأسماء لتكتشف كيف قد يمارس التوريث للوظائف الأكاديمية "عائليا" في جامعاتنا الموقرة.