لو سئلت عن أفضل المقالات التي نشرتها الصحافة المحلية والعربية خلال الأسابيع الماضية التي تتناسب موضوعاتها مع الظروف العربية الراهنة لاخترت من بينها مقال (النوم وفوائده) لأخي وزميلي القديم الدكتور محمد سعد الشويعر، وهبه الله الصحة وطول العمر الذي نشرته له صحيفة الجزيرة خلال الأسابيع الماضية على حلقات ثلاث في أيام الجمع وكانت الحلقة التي نشرت يوم الجمعة الماضي هي الثالثة والأخيرة كما يبدو.

أجدادنا الحكماء قالوا لكل مقام مقال، ومقال فوائد النوم لأخي الدكتور محمد هو أفضل مقال لمقامنا العربي الراهن، الذي هو مقام الثورة والهيجان الذي يتسيد بعض الشوارع العربية خلال الأسابيع الماضية، وقد وفِّق أخي أبوعزام وصحيفة الجزيرة أيما توفيق ليس فقط في موضوع المقال وتناسبه مع المقام، بل وحتى في يوم النشر، إذ إنه في يوم الجمعة الذي هو يوم نشر المقال هو يوم الهيجانات، من جمعة الغضب، إلى جمعة الحسم، إلى جمعة الرحيل، مما جعل يوم الجمعة يتحول إلى كابوس في بعض الدول العربية، ولذلك فإن نشر المقال يوم الجمعة فيه توفيق إلى حد كبير.

المقال ليس فقط مفيد للفرد المصاب بقلة النوم وبالتالي بالتأزم النفسي والهيجان، بل هو في غاية الفائدة للأجهزة الأمنية أيضاً لأنه ينبهها لأحد الأسباب الهامة اللازمة والعلاج لتلك الأزمة، ولكن هذه فوائد محدودة أمام الفوائد الكبرى لمعالجة الأزمات الكبرى التي برزت فجأة في عالمنا العربي وأصبح حلها هو هاجس الجميع.

على سبيل المثال فإن وجود العقيد معمر القذافي على رأس السلطة في ليبيا هو وابنه سيف الإسلام أصبح مشكلة كبرى للشعب الليبي وللوطن العربي والعالم أجمع، فهو هائج مائج فاقد لأعصابه يريد أن يطارد (الفئران الليبية) شارع شارع وبيت بيت وزنقة زنقة، وجميع زعماء العالم حاولوا ويحاولون حماية الشعب الليبي منه بإزاحته عن السلطة، ولكنهم لم يتوصلوا حتى الآن إلى طريقة ناجحة، ولهذا نراهم يكتفون بتدمير المنشآت الليبية بالقنابل والصواريخ والصراخ المتواصل.. ارحل.. ارحل.. ارحل.. ولكنه بالتأكيد لن يرحل إلا عندما يرحَّل، وإقناع العقيد بفوائد النوم هو الحل السحري، لأنه لو اقتنع ونام فإنه سينام نومة أهل الكهف بعد تلك الأسابيع أو ربما الشهور من عدم النوم، وحينئذ سيمكن نقله إلى المصحة أو دار المجانين بسهولة وتنتهي مشكلة إخوتنا الليبيين بسرعة.

ومن الأزمات الكبرى الحالية أيضاً حالة الزعماء العرب الذين أطيح بهم بن علي.. وحسني مبارك.. وغيرهما من السابقين، وربما اللاحقين، فهؤلاء أعانهم الله على أزماتهم، أصيبوا بالأرق الشديد، ولذلك داهمتهم الأمراض، فأحدهم نقل للمستشفى كما نقلت الأخبار، والثاني يواجه الكوابيس، ولو اطلعوا على المقال واقتنعوا بفوائد النوم، فربما تنتهي أزماتهم، وينعمون بالنوم العميق.

وفوائد المقال لا تقتصر على الزعماء الراحلين، بل يمكن أن تكون وصفة مفيدة للمشاكل التي يعاني منها الحاليون، فمشكلتهم الكبيرة الآن أن المتظاهرين يعتصمون في الميادين ولا يذهبون في الليل للنوم بل يظلون ساهرين حتى الصباح، وفي اليوم التالي يأتي آخرون ويسهرون معهم، ويظل العدد يزداد، والجميع معتصمون وساهرون، ولو قام الزعماء الذين يواجهون المشكلة بتوزيع المقال على المعتصمين فسيقنعون بفوائد النوم، ويذهبون لمنازلهم في الليل، وتخف المشكلة تدريجياً حتى تنتهي.

مقال أخي (أبو عزام) جاء في وقته، وحمل معه الحل السحري لأزماتنا العربية الخارجية، وهي لا تهمنا كثيراً، إذ إن ما يهمنا تلك الفوائد الداخلية، فقد جاء المقال في وقته أيضاً بالنسبة لها أيضاً، إذ إن بعض المتأثرين بما حدث في الشوارع العربية حاولوا نقل ذلك الهيجان لشوارعنا، فظلوا فترة من الزمن يبثون عبر الإنترنت بعض النداءات المحرضة المهيجة التي تطرد النوم، وتجعل الهيجان يتراكم، ظانين أنه عندما يأتي الوقت المحدد فسيكون المستهدفون قد ظلوا فترة في هيجان بلا نوم فيتحقق ما أرادوا، ولذلك كان المقال بالإضافة إلى عوامل هامة أخرى كالبلسم للجرح والماء للنار، فكان الأمر برداً وسلاماً كما رأيتم.

ولكن هناك مظهر نقص في المقال، فأخي (أبو عزام) تحدث في مقالاته الثلاثة التي نشرتها الجزيرة على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية عن النوم وفوائده، ولكنه لم يتحدث عن كيفية الإخلاد للنوم، فقد يقتنع الهائجون في الشوارع العربية، أو حتى في بيوتنا الذين يتابعون مواقع الإنترنت بفوائد النوم ويرغبون في النوم لكن لا يستطيعون، ولذلك فلعل أخي (أبو عزام) يكمل جميله ويكتب ثلاث حلقات أخرى كل يوم جمعة عن كيفية الإخلاد للنوم لمن أراد لأن أيام الجمع مازالت تشكل كوابيس في بعض الشوارع العربية وقد يطول الوضع.

وفوائد المقال كثيرة وما ذكرته مجرد نماذج لها، والفوائد بالتأكيد ستكثر إذا تكرم أخي الدكتور محمد وأكمل جميله بالحلقات الثلاث الأخرى التي اقترحتها، وهذا لا يعني أنه بلا عيوب، فليس هناك في هذه الدنيا عمل بلا مثالب، ولكن عيوب المقال محدودة جداً، من أهمها أن الأخ الزميل (أبو بشار) رئيس تحرير الجزيرة وزملاءه الكرام قد يتأثرون بالمقال فيتثاءبون مع أن (الجزيرة) حاليا (لا تتثاءب).

وأخيراً فلأني أعز كثيراً أخي (أبو عزام) وأقدره وله في نفسي منزلة كبيرة ويهمني ألا يحمله أحد أياً من أوزار كلماتي إن وجدت فإني أؤكد للجميع أني لم أقابله منذ فترة طويلة ولم أتصل به، وما عبرت عنه هو اجتهاد مني وقراءة خاصة، إن لاقت استحساناً فالفضل فيه لأخي (أبوعزام) وإن حصل العكس فبسبب ضعفي المتناهي أمام النوم لأني كلما أردته واحتجت له جافاني، وإذا لم أرده غلبني، وكنت حين كتبت المقال قد مكثت ساهراً فترة طويلة جافاني فيها النوم فشعرت ببعض الهيجان وكتبت المقال وأنا تحت تأثيره.. وأنا أتطلع للحلقات الثلاث القادمة لأخي (أبو عزام) حتى لا يجافيني النوم مرة أخرى.. هل هذه تحية مناسبة لزميل قديم عزيز على نفسي لم أره منذ سنين..؟؟ إن كان الأمر كذلك فأحمد الله على التوفيق، وإلا فالعذر والسموحة يا أخي أبو عزام فنحن الكُتاب هكذا.. ملاقيف.. وأحياناً لا نوفق.. حفظك الله ورعاك.