ملأ فولتير الدنيا وشغل الناس. وحق له ذلك!
هذا الفيلسوف الكبير الذي وصفه الكاتب البريطاني إيان ديفيدسن بـ "صوت التنوير". إنه رائد التأسيس الفكري لثورة عظمى ساهمت في تحرير الناس من العبودية للأفكار التقليدية. الجميل أن سيرة هذا الفيلسوف تصدر حديثاً بقلم ديفيدسن وقد عرض هذه السيرة، عبدالإله مجيد. وأظن أنها سيرة مهمة ستكشف شخصية هذا الإنسان العظيم الذي حفظ اسمه الكبار والصغار، وصار مضرب المثل في البحث عن الخلاص والتفتيش عن ملجأ من كل أشكال العبودية والقهر، التي تحيط بالكثير من شعوب العالم الثالث.
يقول مجيد عن الكتاب الذي يصدر حديثا "الصورة التي يرسمها ديفيدسن في السيرة الجديدة هي باختصار صورة فولتير الإنسان، الذي تقدم رسائله معينا ساحرا من المعلومات والحكايات. إذ كان فولتير غزير التراسل". رأى مؤلف سيرة فولتير أن هذا الفيلسوف كانت مواضيعه "الأدبية تتبدى في أفعاله، بنضاله من أجل عدالة القانون والإصلاح والتدخل في حالات كثيرة هُضمت فيها حقوق مواطنين عُذبوا وأُعدموا ظلما. كانت زيارته الأخيرة إلى باريس قبل وفاته نصراً له على مؤسسة الحكم، احتفى به الفرنسيون خلال تقديم مسرحيته الأخيرة "ارين"، وتبعه الفرنسيون في الشوارع منادين به "محامي الفقراء والمظلومين".
قلتُ: وما أصعب أن تتمثل الأقوال أفعالاً، كم من المنظّرين في العدالة والحريات والحقوق والإصلاح وكشف الفساد يغرقون فيما يحذرون منه، ويتدنّسون فيما يصارعون ضده، ويقترفون كثيرا مما ينتقدون. إنها المسافة بين التنظير والتطبيق.
فولتير كان إنساناً قبل أن يكون كاتباً، كان يتمثّل ما يدعو إليه بنفسه، قبل أن يطلبه من غيره. لهذا أصبحت أفكاره والمسرحيات التي كتبها والمؤلفات التي دونها محببة لدى البسطاء. نعم، فقد اشتهر فيلسوفنا العظيم بما لم يتوفر لدى نظرائه، وهو التبسيط. لم يكن يتقعّر بأسلوبه ولا يعقد أفكاره، بل كان يبحث بإنتاجه عن قارئ فلاح وآخر خباز وثالث نجّار.
قال أبو عبدالله غفر الله له: إذا استعدنا سيرة فولتير فلن نستطيع استعادة زمنه، ومن يريد ذلك؟! لكننا نتمنى أن نمتثل مثله لما ندعو إليه وأن نبسط أفكارنا كما فعل. وأحسب أنهما ميزتان تحتاجهما النخب العربية أشد الاحتياج.