علماً بأن إيران تحتل المرتبة الرابعة عالمياً في إنتاج النفط والمرتبة الثانية في إنتاج الغاز الطبيعي، إلا أن نسبة التضخم في أسواقها فاقت خلال العام الماضي 30% بسبب ارتفاع أسعار السلع بنسبة 90% والسكن بنسبة 83% والبطالة بنسبة 26%. منذ اندلاع ثورتها، تفاقمت نسبة الفقر في دولة إيران لتتخطى 23%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بنسبة 30%، ليصل إلى نصف مثيله في الدول الخليجية، علماً بأن أسعار النفط ارتفعت خلال نفس الفترة 25 ضعفاً.

هذه النتائج الوخيمة التي منيَ بها الاقتصاد الإيراني أدت إلى ارتفاع أسعار العقار بأكثر من 100% خلال العام الماضي، لتصل أسعار الأراضي في أحياء طهران الراقية إلى 16 ألف دولار أمريكي للمتر المربع، وهي ثروة كبيرة مقارنة بمتوسط الراتب الشهري للفرد في العاصمة الذي لا يتجاوز 500 دولار. وزادت تداعيات الأزمة المالية العالمية من تفاقم الأحوال الاقتصادية الإيرانية، مما دفع الحكومة لسحب مبالغ طائلة من صناديقها الاحتياطية، لمواجهة العجز المزمن في ميزانيتها.

كشفت هذه التطورات الخطيرة مدى هشاشة الاقتصاد الإيراني الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وذلك نتيجة لتهالك البنية التحتية وتسرب المبالغ الطائلة من عائدات النفط الإيراني لتنفيذ المشروع النووي الإيراني.

في يوم الاثنين 4 أغسطس 2008م خاطب الرئيس الإيراني طلاب الفقه مؤكداً: "أن "المهدي" يدير العالم ونحن نرى أصابعه المدبّرة في شؤون العالم كافة، وأن عودة "الإمام الغائب" وشيكة، لذا على الحكومة تسوية مشاكل إيران الداخلية في أسرع وقت لأن الوقت يداهمنا، حيث إن "المهدي" لا يقرّ التضخم وغلاء المعيشة"!

في أعقاب هذه الخطبة (العصماء)، أصدرت الحكومة الإيرانية قراراً بفرض ضريبة جديدة للقيمة المضافة تبلغ 3%، مما دفع التجار ذوي النفوذ الواسع في النظام السياسي الإيراني إلى إغلاق محالهم التجارية وتنفيذ أول إضراب لهم منذ قيام الثورة، وانتهى الأمر بتعليق الحكومة الإيرانية تطبيق هذه الضريبة حتى إشعار آخر! خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تشهد دولة وحيدة في العالم تراجع حريات التعبير والإعلام مثل تلك التي شهدتها إيران، حيث بلغت الرقابة والضغوط المباشرة على الصحافة أعلى مستوياتها مما أدى إلى إغلاق 17 صحيفة أسبوعية و8 مجلات شهرية وحُكم بالسجن والجلد ودفع الغرامات الباهظة على أكثر من 320 صحفياً وكاتبا إيرانياً.

وفي العام الماضي، لم تشهد دول القرية الكونية قاطبة انحدار مستويات الحرية الاقتصادية مثل تلك التي شهدتها إيران، حيث تراجعت إلى المركز 150 من أصل 157 دولة، بينما تفوقت الدول الخليجية بمراكز متقدمة في هذا المجال، لتقفز السعودية إلى المرتبة 14 والبحرين 37 وعُمان 54 والكويت إلى المرتبة 57.

وفي العام الجاري، لم تشهد مؤشرات سهولة ممارسة الأنشطة والأعمال في مختلف أرجاء المعمورة تقهقراً مثل تقهقر إيران إلى المرتبة 135 من أصل 178 دولة، وذلك في الوقت الذي قفز مؤشر السعودية في هذا المجال إلى المرتبة 11 عالمياً.

واليوم تفشل إيران في إدراج اسمها على قوائم مؤشر التنافسية العالمية، الذي حققت السعودية فيه المركز 13 من بين 151 دولة. كما تراجعت إيران للمرتبة 80 في استمالة تدفقات الاستثمار الأجنبي لأسواقها، وقفز مستوى المخاطر المحدقة بهذه الاستثمارات إلى المرتبة 96 من بين 142 دولة. ونتيجة لتردي أحوالها الاقتصادية، تدفق خارج إيران أكثر من 300 مليار دولار أمريكي، التي تعادل 125% من ناتج إيران الإجمالي السنوي.

قبل 4 سنوات، فاجأ الرئيس الإيراني مؤتمر قمة "الدوحة" الخليجية من خلال محاضرته التنظيرية لمبادئ النجاح. تناسى "نجاد" الجزر الإماراتية الثلاث المغتصبة معتقداً أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الخريطة الإيرانية ولا تستحق الإشارة إليها. تعدى "فخامته" على أهم حقوق الملكية الجغرافية الخليجية مجاهراً بأن الخليج العربي هو في الأصل فارسي المنشأ والولادة وأمعن في تمجيد أصله وفصله. أطلق "الزعيم" الغائب عن العالم مبادراته مطالباً الدول الخليجية فتح الأسواق التجارية وتشجيع الاستثمارات البينية وإلغاء الرسوم الجمركية وتبادل الخبرات التقنية، ليخالف بذلك شروط وأحكام مثل هذه المبادرات التي تطلق عادة من دول مرموقة اقتصادياً، وليس من دولة إيران المغمورة في مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة.

لم يخجل "رئيس" إيران من مهمة إطلاق مبادراته الاقتصادية التنظيرية، وهو الذي أخفى الحقائق الثابتة والأرقام المدونة على المواقع الإلكترونية لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولم تظهر إيران حقدها وغيرتها من دول الخليج العربية التي سبقتها منذ سنوات طويلة في اكتساب عضوية منظمة التجارة العالمية. وخالفت إيران، التي ما زالت خارج دائرة العولمة القانونية، أنها لا تملك حق إطلاق مثل هذه المبادرات التي تتعارض مع أحكام المادة 24 من اتفاقية "الجات".

الرئيس الإيراني استند في طرح مبادراته على آراء أنصاف (الخبراء) الذين كانوا يشككون في مسيرة الإصلاح الاقتصادي الخليجي ويعارضون انضمام الدول الخليجية للنظام العالمي. و"اللوبي" الإيراني، الذي تجاهل النجاح الاقتصادي في الدول الخليجية جراء لمّ الشمل وتوحيد الصفوف ورعاية مصالح المواطنين، لن يتلاقى يوماً ما مع الفاشلين اقتصادياً على ضفاف مياه الخليج العربي.

أصابع "المهدي" المفقودة، التي تستخدمها إيران في زعزعة أمن جيرانها، لا تستطيع أن تمدها بالخير لمصافحة دول الخليج العربية.